اسلاميات

دراسة للدكتور محمد يونس تستعرض مظاهر تجديد الخطاب الديني في الإمارات العربية المتحدة

أبوظبي-سويفت نيوز:17910911_10155240276178552_1845763409_n17888701_10155240275108552_2015980262_n

عرضت دراسة علمية جديدة لابرز معالم الخطاب الديني لدولة الإمارات، عنيت بتأصيل هذا الخطاب من واقع  تحليل مقولاته واطروحتاه الرئيسية كما ظهرت في وثائق المؤسسات الرسمية للدولة وقيادتها والمسؤولون عن صياغة خطابها الديني .

واوضحت الدراسة -التي صدرت للدكتور مـحـمـد يـونـس في كتاب بعنون ” تجديد الخطاب الديني في دولة الإمارات العربية المتحدة ” عن دار هماليل بأبو ظبي-  السمات الرئيسية  لخطاب الدولة الديني وجهود تجديده  ومسارات ومستويات هذا التجديد.

أشار الكتاب  إلى تصاعد الاهتمام  بالخطاب الديني منذ أحداث 11 سبتمبر2001 م، وسط أجواء اضطراب واحتراب تشهدها الكثير من بقاع عالمنا الإسلامي، وتتخذ من الدين غطاء لها.حيث ظهرت دعوات متباينة للتعاطي مع الخطاب الإسلامي، تتراوح بين التخويف منه وربطه بالعنف والإرهاب تارة، والخوف من اختطافه من جانب تيارات متشددة تأخذ من الدين قشورا، تارة أخرى. وفي غالبية الأحوال، صدرت هذه الدعوات عن انطباعات شخصية تفتقد إلى البحث العلمي.

ومن هنا تبرز أهمية تحليل الخطاب الإسلامي في دولة تجمع بين التراث والمعاصرة مثل الإمارات العربية المتحدة، التي تمثل نموذجا للاعتدال والوسطية والتسامح، حيث يعيش على أرضها نحو 200 جنسية من أديان وأعراق وبلدان مختلفة، وفي الوقت الذي ترعي فيها أكبر جائزة  بالعالم الإسلامي لخدمة القرآن الكريم وعلومه، وتكريم أهله، تشغل الإمارات المرتبة الأولى عربيا بتقرير التنمية البشرية وتحتضن المقر دائم لأكبر منظمة دولية للطاقة المتجددة (آرينا) وأول فرع لمتحف اللوفر ولجامعة السريون خارج فرنسا، بالإضافة الى العديد من المؤشرات الأخرى  التي تؤكد حرص الدولة على الجمع بين الأصالة والمعاصرة.

وابرز الكتاب حاجة أمتنا العربية والإسلامية اليوم إلى خطاب إسلامي بنائي وليس إنشائي، يدفع حركة المجتمع عبر الفرز بين قيم التحلي وقيم التخلي، وإدراك سُنن التغيير الحضاري بما يعيد للإنسان دوره وفاعليته وحضوره في حركة المجتمع . خطاب ينبع أولا من طبيعة الإسلام الذي ينطوي على دعوة مستمرة إلى التجديد، تأخذ مشروعيتها من الحديث النبوي الشهير الذي رواه أبو داود في سننه  والحاكم في مستدركه عن أبى هريرة أن النبي – صلى الله  عليه وسلم –  قال: “إن الله يبعث لهذه الأمة  على رأس  كل مائة سنة من يجدد لها دينها” وفي الوقت نفسه يستجيب هذا الخطاب للتطلعات المشروعة للشعوب العربية والإسلامية في الحرية و التقدم وتحقيق الشهود الحضاري.

واكد المؤلف أن  الخطاب الذي ننشده أمتنا اليوم يبغي ان يأخذ في اعتابره  تأثير معطيات العصر وتطور العلاقات وأنماط التعاطي مع المعرفة من التلقي إلى التفاعل، ومن أحادية المنبر إلى تعددية شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت)  ولا شك أن رصد وتحليل تجارب الخطاب الإسلامي يؤسس لمثل هذا الخطاب المنشود، وفي هذا السياق تأتي أهمية هذا الكتاب الذي يتناول معالم الخطاب الإسلامي في دولة الإمارات العربية المتحدة ومنطلقاته ومرتكزاته ووسائل تجديده .

يتناول الكتاب معالم الخطاب الإسلامية في الإمارات ومرتكزاته وجهود تجديده التي لم تتوقف عند جدود المؤسسة الدينية بالدولة وإنما امتدت لساحات أرحب تسمح بصدور  خطاب جامع للأمة يحتضن أفكار ورؤى علما ءالمسلمين من مختلف انحاء العالم .

يقع الكتاب في 250 صفحة من القطع المتوسط ويتضمن اربعة فصول ، مفهوم الخطاب الديني ومنطلقاته ومؤسساته بالدولة ، ويستعرض الفصل الثاني  مظاهر تطوير وسائل الخطاب الديني بدولة الإمارات، ويرصد  الفصل  الثالث قضايا الخطاب الديني بدولة الإمارات عبر تحللي خطب الجمعة على مدى عامين بمساجد الإمارات.أما الفصل الرابع والأخير فيتناول جامع الشيخ زايد باعتباره  رمز للتسامح وتعزيز قيم التعايش المشترك.

وميز الكتاب بين العديد  من المفاهيم ذات العلاقة بموضوعه مثل  الخطاب الإسلامي والنص الديني  والفكر الإسلامي موضحا أن الخطاب الإسلامي هو مجموعة المقولات والتصورات والرؤى التي يطرحها علماء الدين والدعاة والمفكرين إزاء قضايا المجتمع استنادا إلى الدين الإسلامي بشكل مباشرعبر الخطب والدروس والمحاضرات أو بشكل غير مباشر‏ عبر وسائل الاتصال الجماهيرية التقليدية أو الإلكترونية .

وخلصت الدراسة الى أن الخطاب الإسلامي في الإمارات العربية المتحدة يقوم ،على أربعة محاور، هي: منهجية الاعتدال والوسطية فكراً وممارسة. والمواءمة بين التراث والمعاصرة. والتنوع في تناول التراث الفقهي والفكري والحضاري . واستخدام وسائل التقنية الحديثة وتسخيرها لخدمة الخطاب الديني.

واوضح أن التسامح سمة أساسية للخطاب الديني في دولة الإمارات مستندا على من الوثائق الرسمية للدولة ، منها دستور دولة الإمارات (المادة الثانية والثلاثين من الدستور. التي تكفل حرية العبادة للجميع ) ومقولات قيادة الدولة في العديد من المناسابات ، فضلا عن شهادات  عدد من قادة الأديان الأخرى التي  تؤكد التسامح الذي يسود دولة الإمارات ويتمتع به السكان والمقيمون بها.

واوضح  ان قيادة الدولة تتنبى في خطابها مبدأ التسامح الديني ونهج  الوسطية والاعتدال، كما يتأكد هذا التوجه الوسطي للخطاب الديني الإسلامي ومبدأ التسامح في نهج وممارسة المؤسسة الدينية الرسمية للدولة.

وكشف الكتاب أن الدولة عملت على تجديد الخطاب الديني من خلال تطوير الوسائل التي يقدم من خلالها هذا الخطاب، و رصد مظاهر  هذا التطوير  فيما يلي:

اولا: تطوير خطبة الجمعة من خلال توحيد الخطب في جميع مساجد الدولة، والبث الإذاعي والتليفزيوني الموحد لها،وإشراك الجمهور في اختيار عناوين الخطب وموضوعاتها، وإنشاء وحدة مخصصة لخطبة الجمعة بالهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف.

ثانيا : تطوير المطبوعات الدينية بما يعزز الثقافة الإسلامية الوسطية داخل المجتمع،من خلال إصدار  عدد من المطبوعات، تتناول  تفسير القرآن وعلم التجويد، وترجمة معاني القرآن بعدد من اللغات، و تجميع خطب الجمعة سنويا و دروس المساجد وإصدارها في كتب مرجعية،فضلا عن إصدار عدد من  الكتب في علوم الحديث والسيرة النبوية، و الفقه الإسلامي .

ثالثا: إنشاء مركز رسمي للإفتاء بهدف تطوير طرق الإفتاء،وتم استخدام أحدث الوسائل التقنية لتيسير وصل الجماهير إلى المركز والحصول على إجابات لتساؤلاتهم وتم توفير 4 قنوات لذلك هي  الهاتف المجاني للفتوى، و الرسائل النصية “sms”، الموقع الإلكتروني للهيئة، والحضور المباشر لمقر بالهيئة.

رابعا: تطوير المساجد من خلال ثلاثة جوانب متكاملة،هي الجانب المعرفي لتعزيز الدور الثقافي للمسجد عبر الدروس المنتظمة به وإمداده بالمصاحف والكتب الدينية.والجانب الإنشائي من خلال التوسع في بناء المساجد وتشجيع المسلمين على المساهمة في ذلك . والجانب التقني من خلال تزويد المساجد بتقنيتي الأذان الموحد، والشاشات الإلكترونية.

خامسا: التوسع في تعليم تلاوة القرآن الكريم والتشجيع على حفظه وتكريم حفظته من خلال تطوير مراكز تحفيظ القرآن الكريم وتنظيم دورات لتحفيظه داخل المراكز والمساجد وتنظيم مسابقات  محلية وعالمية في حفظه وتوفير جوائز قيمة للفائزين .

سادسا: تنظيم دورات لحملة الخطاب الديني من خلال تنظيم دورات وورش عمل منتظمة للأئمة والدعاة والوعاظ بالدولة وإيفاد وعاظ  للحصول على الدراسات العليا في العلوم الشرعية.

اوضح الكتاب تنوع القضايا والأطروحات التي تناولتها خطب الجمعة الموحدة في مساجد دولة الإمارات خلال فترة الدراسة، حيث شملت موضوعات تتعلق بالعقائد والعبادات، والمعاملات، والأخلاق والرقائق، والقرآن الكريم والسنة والسيرة النبوية، والعلم والتعليم، والمناسبات الدينية والوطنية ورعاية بيوت الله وبعض الموضوعات الأخرى.

وكشفت الدراسة التحليلة لخطب الجمعة أنها غالبيتها موضوعات المعاملات شغلت المرتبة الأولى بين المووضعات التي تناولتها الخطب  بنسبة 34.5%. وتضمنت موضوعات المعاملات، قضايا ذات طبيعة اجتماعية مثل الدعوة إلىبناء المجتمع المتعاون والمتآلف والمتراحم، وبناء الأسرة على أسس سليمة،ومواجهة مشكلة الإدمان وتعاطي المخدرات، كما تضمنت قضايا ذات طبيعة اقتصادية مثل التوعية بأسلوب التعامل مع المال اكتسابا وإنفاقا ونبذ الإسراف التبذير، والحث على أداء حقوق العمال وتأكيد قيمة العمل.وهي موضوعات لامست اهتمامات حقيقية لدى مجتمع الإمارات مما يؤكد حرص خطبة الجمعة على تلبية احتياجات ومتطلبات المجتمع ومواكبة القضايا المثارة على الساحة.

وجاءت موضوعات العبادات في المرتبة الثانية بنسبة 20.9%، وتلتها في المرتبة الثالثة وبنسب متساوية الموضوعات المتعلقة بفئتي الأخلاق والرقائق  بنسبة 11%، والمناسبات الدينية والوطنية بنسبة 11% . ثم  جاءت في المرتبة الرابعة موضوعات العقائد بنسبة 6.4% وتلتها موضوعات والعلم والتعليم بنسبة 5.5%. ثم موضوعات القرآن الكريم والسنة والسيرة النبوية بنسبة 4.5%، وموضوعات رعاية  بيوت الله  بنسبة 3.6%.

ولا شك أن هذا التنوع في موضوعات خطبة الجمعة يؤكد الحرص على تقديم خطاب ديني ثري يعبر عن ثراء الدين الإسلامي وشموليته وملائمته لاحتياجات الإنسان وتطلعاته في علاقاته بخالقه و بذاته وأسرته ومجتمعه والعالم الذي يعيش فيه، كما حرصت على عرض رؤية الدين الحنيف لعلاج  العديد من القضايا المعاصرة المثارة على الساحة اليوم.

واوضح الكاتب أن دولة الإمارات بادرت إلى ادارة عملية تجديد الخطاب الإسلامي يشكل مؤسساتي 17910911_10155240276178552_1845763409_n 17888701_10155240275108552_2015980262_nعبر إنشاء مؤسسة حاضنة لجهود التجديد والتطوير تنطلق من أبو ظبي وتشرف على العديد من المشاريع والبرامج الثقافية في هذا السياق، وتستفيد من خبرات علماء الأمة ومفكريها  بالعالم الإسلامي،من خلال تأسس مركز الموطأ  2016 ، للنهوض بمهمة تجديد الخطاب الإسلامي، والارتقاء بالشخصية العربية والإسلامية إلى مستوى إنساني يليق بديننا الحنيف، من خلال   بغرض تأصيل وتصحيح المفاهيم والمصطلحات وتصويب مآلات الفقه، وفق أسس علمية شرعية، تحاكي روح المقاصد وحكم الشريعة،في تعزيز السلم الكوني ونشر ثقافة التسامح والحوار والانفتاح على الآخر.وف يهذا للسياق اختنت الإمارات  العديد من المشاريع والبرامج ،منها: منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة ، و مجلس حكماء المسلمين و جائزة الإمام الحسن بن علي الدولية للسلم و برنامج إعداد العلماء الإماراتيين، و برنامج   “حوار الشرق والغرب”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى