ثقافة

حِرَف جازان التقليدية.. مهاراتٌ صاغت تفاصيل الحياة

جيزان – واس:
تزهو جازان بإرثٍ حرفيٍّ تعدّدت ملامحه عبر القرون؛ حيث صاغ الإنسان من الخشب والخوص والجلود والحجر والطين، أدواتٍ تحفظ تفاصيل يومه، وتلبّي احتياجاته في الطهي والشرب والحفظ والعمل والتنقّل، فوُلدت بين تضاريس السهل والجبل والبحر مئات القطع؛ التي كانت يومًا جزءًا من دورة الحياة، ثم أصبحت اليوم ذاكرةً تراثيةً تحمل بصمة المكان وتجربة صانعيها.
وتحضر الحِرف اليدوية في جازان بوصفها مهارة نشأت من الحاجة؛ حين اعتمد الأهالي ذات زمنٍ على ما توفّره البيئة من خامات طبيعية؛ ليصنعوا بأيديهم ما يخدم حياتهم اليومية، فكانت الأواني تُنحت من الخشب، وتُحاك من الخوص، وتُصاغ من الطين، وتُطرّز من الخيوط، في منظومة حرفية متكاملة تُمارس داخل البيوت والحقول وتحت ظلال الأشجار، حتى غدت جزءًا من إيقاع اليوم، وشاهدةً على خبرة الإنسان وصلابة ارتباطه بأرضه.
وفي جبال جازان، تميّز الحرفيون بصناعة الجلود والأواني الخشبية والأدوات الزراعية القديمة، إلى جانب المشغولات النسائية والحُلي المنسوجة بعناية، فيما شكّلت الأواني الحجرية وأدوات القهوة جزءًا من الملامح اليومية التي ما تزال حاضرة في المجالس والمناسبات.
أما البيئات الريفية فشهدت ازدهار حِرفٍ تعتمد على الخوص والطين، حيث تُنسج السلال والقُعُد وأوعية الحفظ بطرائق دقيقة تحاكي حركة اليد وخبرتها، كما تُصنع قدور الطبخ والأواني الفخارية التي ظلّت لسنوات طويلة عنصرًا أساسيًا في المطبخ المحلي.
وعلى السواحل والجزر، ارتبطت الحِرف بالبحر ومواسمه، فكانت صناعة المراكب الخشبية الصغيرة ومجاديفها من أبرز الحرف الساحلية، إلى جانب حياكة الشباك وصياغة أدوات الصيد، واستخدام الأصداف في صناعاتٍ زخرفية بسيطة تعكس علاقة الإنسان بالموج والريح.
وأثبتت تلك المهارات قدرتها على البقاء رغم تحوّل الزمن، حيث يواصل الحرفيون والحرفيات في جازان اليوم تقديم هذا الفن في الأسواق الشعبية والمهرجانات، وكذلك تنفيذ برامج التدريب، في سياقٍ من العناية التي رسختها برامج وزارة الثقافة، وأسهمت في توسيع حضور الحرف اليدوية ودعم صُنّاعها، ليبقى هذا الإرث حيًا ينتقل من يدٍ إلى أخرى، ومن جيلٍ إلى آخر، محافظًا على هوية المكان ومستقبل صُنّاع الحِرف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى