قصة العجوز مع ابنها
بقلم – شوق فالح :
يحكى أن هناك عجوز لديها أربعة أبناء، بعدما كبروا وقامت بتزويجهم أصبحت وحيدة لا يوجد عندها الا صوت المذياع في زوايا منزلها، ويوجد في حديقة بيتها شجرة كبيرة تحب أن تستظل تحتها كل صباح وهي تسمع انيس وحدتها المذياع بأعلى صوت يطربها، واعتادت في كل يوم أن تستيقظ على نداء الفجر وقبيل شروق الشمس تقوم بتجهيز إفطارها والجلوس تحت تلك الشجرة والمذياع حولها بين يديها، ولا تشعر حينها بطول الوقت لإستمتاعها فتجلس حتى قبل الظهر بساعة ثم تعود لبيتها لتأخذ قسطً من الراحة، وفي مساء يوم من الأيام زارها أحد أبنائها وابتهجت بحضوره، وجلس معها يحاورها ويحادثها، وتناول معها وجبة العشاء، ثم نامت فورً بعد العشاء وتركته، لاعتيادها على النوم مبكرً، وهو مازال موجود عندها لم يعود لبيته لأنه أراد أن يسهر معها طويلً، وفجأة بعد نصف ساعة ايقظها ألم عينيها فلم ينتبه ابنها إلى حين سماعه صراخها من قوة الألم، فعرف ما بها دون أن يسألها فحملها فورً للطوارئ، فكشف على عينيها الطبيب لكن الصدمة أنها أصبحت لم تعد ترى شيء، فأخذ يسألها الكثير من الأسئلة إلى أن عرف من خلال تجاوبها أن هذا العمى أصابها من أشعة الشمس التي كانت تضيء الحديقة، فقال لها أن قوة أشعة الشمس أثرت على شبكية العين، ولا يسعني إلا أن أقول انتظري شهور حتى أعد لك موعد للعملية الجراحية، فهناك أمر يتعلق بعينيك تحت التطوير سائلين المولى نجاحه، فاصبري واحتسبي الأجر خلال هذه الفترة وأدعي الله موقنة بالإجابة، فلما عادت لمنزلها قالت لابنها عد لبيتك لا تهمل أسرتك، قال لها كيف اتركك يا أمي وقد عمت عينيك، كيف تقومين وقد أصبحتي عمياء، من يسعى لخدمتك، دعيني بجانبك لكي يرتاح قلبي أو احملي كل أمتعتك وتعالي معي لتسكني عندي حتى يصلح حالك، فوافقت وذهبت معه ولم تستطيع أن تترك ذلك المذياع، مازال يصاحبها في كل حي، وفي يوم من الأيام وهي ما زالت عند ابنها أتى برنامج على المذياع يتكلم عن ماهية نقاط برايل ومدى أهميتها لفاقدي البصر، ففرحت كثيرً لمعرفتها تلك المعلومات، فاخبرت ابنها، وقال لها أنه سمع عن جمعية تعلم المكفوفين نقاط برايل ولكن يا أمي لا تيأسي سوف تعودين كما كنتي ترين الحياة بجمالها، لماذا ترغبي أن تتعلمي تلك النقاط، قالت لكي اتلو القرآن يا ولدي، هل يعقل أن أهجر كتاب الله خلال هذه الشهور الطويلة، وبالفعل ذهبت لتلك الجمعية وحفظت نقاط البرايل خلال شهر، ومرت الشهور وحياتها مستقرة حتى حان موعد العلاج، فعملت العملية بسلام وعاد لها بصرها.