أخبار دولية

طشقند تستضيف مائدة مستديرة حول “السياسة الخارجية لأوزبكستان تحت شعار الانفتاح والازدهار من أجل السلام”

طشقند – خالد الجعيد :

انعقدت اليوم مائدة مستديرة بعنوان “السياسة الخارجية لأوزبكستان .. الانفتاح والازدهار من أجل السلام” في طشقند، لاستكشاف المبادئ الأساسية والأولويات الاستراتيجية للسياسة الخارجية لأوزبكستان في العصر الحديث حيث جمعت صناع السياسات والخبراء الرئيسيين, يتقدمهم النائب الأول رئيس أعضاء المجلس السيد سودقي سافوي , والنائب الأول لوزير الشئون الخارجية السيد باخرومجون الويف ,الرئيس الإداري للمعهد الدولي لأسيا الوسطى والسيد جافلون فاخابوف , نائب الرئيس لمعهد الدراسات الإستراتيجية الإقليمية والسيد باختيور مصطفي , وممثل الرئيس الخاص لأفغنستان السيد عصمت ارقاشيف .

وسلطت المائدة المستديرة الضوء على الدور المتطور الذي تلعبه أوزبكستان على الساحة العالمية، مما يعكس التزام البلاد بخلق جو من الحوار البناء، وتعزيز الثقة المتبادلة مع الدول المجاورة، ومعالجة القضايا الأمنية الدولية الملحة. وأكد المشاركون التزام أوزبكستان بسياسة خارجية منفتحة وعملية وسلمية، تهدف إلى ضمان الاستقرار والازدهار على المدى الطويل في المنطقة.

ففي السنوات الأخيرة، نجحت أوزبكستان في تعريف نفسها بسرعة على الساحة العالمية، وأصبحت لاعباً ديناميكياً واستباقياً في الدبلوماسية الدولية. تحت قيادة الرئيس شوكت ميرضيائيف، مما أكسبها مكانة دولية مرموقة في الشؤون الإقليمية والعالمية.

عصر جديد من الدبلوماسية

إن النهج الدبلوماسي لأوزبكستان متجذر في العديد من المبادئ التوجيهية: عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، وحل النزاعات سلميًا، والالتزام الراسخ بعدم الانحياز إلى الكتل العسكرية. وتنعكس هذه الاستراتيجية في الوثائق الوطنية الرئيسية مثل الدستور، ومفهوم السياسة الخارجية، واستراتيجية أوزبكستان 2030.

وتؤكد هذه الأطر على أن أوزبكستان دولة محايدة ومنفتحة، ملتزمة بالحفاظ على السلام والاستقرار في الداخل والخارج. وما يميز أوزبكستان هو تركيزها الإقليمي، وخاصة سياسة “آسيا الوسطى أولاً”، التي غيرت ديناميكيات
المنطقة. فبعد أن كانت آسيا الوسطى تتسم بالنزاعات في السابق، أصبحت الآن مركزًا للتعاون.

لقد قادت أوزبكستان الجهود الرامية إلى إقامة علاقات أقوى مع جيرانها، وخاصة أفغانستان وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان، في حين لعبت أيضًا دورًا رائدًا في منظمات مثل منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) ورابطة الدول المستقلة (CIS). كانت ظاهرة “روح التعاون في آسيا الوسطى” محورية في تطوير ما يسمى “آسيا الوسطى الجديدة”، مما عزز فرصًا غير مسبوقة للمبادرات المشتركة والتقدم. كما تبنت المنطقة مفهوم “آسيا الوسطى – 2040″، الذي يحدد رؤية مشتركة للتعاون المستقبلي عبر القطاعات الرئيسية.

ويعد تطوير التعاون مع دول آسيا الوسطى أحد أهم الاتجاهات الاستراتيجية للسياسة الخارجية لأوزبكستان. وتحت قيادة الرئيس شوكت ميرزيوييف، وضعت أوزبكستان تأكيدًا كبيرًا على تعزيز العلاقات الودية والمفيدة للطرفين مع الدول المجاورة لها في المنطقة.

وفقًا لمفهوم السياسة الخارجية لأوزبكستان، فإن تعميق وتوسيع التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والإنسانية مع دول آسيا الوسطى يشكل أولوية قصوى. إن ضمان الاستقرار الإقليمي، وتعزيز أمن الحدود، وتوسيع العلاقات التجارية والاقتصادية هي أهداف أساسية لنهج السياسة الخارجية تجاه المنطقة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن تعزيز التعاون الاقتصادي بين دول آسيا الوسطى، وإنشاء ممرات نقل جديدة، وإدارة موارد المياه المشتركة بكفاءة، ومعالجة التحديات البيئية هي مجالات رئيسية للتركيز عليها أوزبكستان. هذه المبادرات حاسمة للحفاظ على السلام وتعزيز التنمية في المنطقة.

إن جهود أوزبكستان في هذا المجال موجهة في المقام الأول نحو إقامة علاقات أوثق مع الدول المجاورة، مع مراعاة مصالحها الاقتصادية والسياسية، وبناء علاقات قائمة على الثقة المتبادلة والتضامن. ويُنظر إلى التعاون الودي والفعال باعتباره عنصراً أساسياً في تحقيق الأمن والتنمية المستدامة في المنطقة.

إن فكرة الدبلوماسية الاقتصادية تشكل جوهر السياسة الخارجية لأوزبكستان. وقد أوضح الرئيس ميرزيوييف أن الهدف الأساسي لأوزبكستان هو الاستفادة من موقعها الاستراتيجي في آسيا الوسطى لتعزيز النمو الاقتصادي والتكامل الإقليمي. والواقع أن حجم التجارة بين أوزبكستان ودول آسيا الوسطى تضاعف ثلاث مرات بين عامي 2016 و2023، وزاد الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة بنسبة 40%.

وعلى الصعيد الدولي، أصبحت أوزبكستان شريكاً رئيسياً في المبادرات الاقتصادية العالمية، بما في ذلك مبادرة الحزام والطريق الصيني. ومن خلال التركيز على تطوير البنية الأساسية وتيسير التجارة، وضعت أوزبكستان نفسها كحلقة وصل حيوية في سلاسل التوريد العالمية.

كما ارتفعت الاستثمارات الأجنبية بنسبة 193% منذ عام 2017، مع استمرار أوزبكستان في تنفيذ إصلاحات السوق وجذب رأس المال الأجنبي. وفي عام 2023، بلغ حجم التجارة الخارجية 62.6 مليار دولار، وهو ما يمثل زيادة ملحوظة بنسبة 24% عن العام السابق. وكجزء من مسار نموها، تعمل أوزبكستان أيضًا على تسريع انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية، بهدف استكمال العملية بحلول عام 2026.

بينما ركزت أوزبكستان في السابق بشكل أساسي على الدبلوماسية الثنائية، تبنت البلاد الآن المشاركة المتعددة الأطراف. ويتجلى هذا التحول في نفوذها المتزايد داخل المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، حيث أصدرت أوزبكستان 11 قرارًا للجمعية العامة تتناول قضايا عالمية وإقليمية رئيسية.

وبالإضافة إلى أن الأمم المتحدة، أصبحت أوزبكستان مشاركًا نشطًا في منظمات مثل منظمة التعاون الاقتصادي (ECO) ومنظمة الدول التركية (OTS). في عام 2023، استضافت طشقند قمة منظمة التعاون الاقتصادي، مما عزز دورها كمنصة للدبلوماسية الإقليمية. كما ينعكس نجاح أوزبكستان في الدبلوماسية المتعددة الأطراف في انتخاباتها للهيئات العالمية المرموقة، بما في ذلك المجلس الاقتصادي والاجتماعي ومنظمة العمل الدولية.

اكتسبت الدبلوماسية البرلمانية للبلاد زخمًا، مع انضمام أوزبكستان إلى المنظمات البرلمانية الدولية مثل
الاتحاد البرلماني الدولي (IPU) والجمعية البرلمانية الدولية لرابطة الدول المستقلة والجمعية البرلمانية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، مما يضمن سماع صوتها عبر منصات عالمية مختلفة.

منصة للحوار العالمي

أصبحت مدن أوزبكستان، وخاصة سمرقند، مراكز مزدهرة للنشاط الدبلوماسي. على مدار العامين الماضيين، استضافت أوزبكستان 16 منتدى دوليًا رئيسيًا، بما في ذلك الاجتماعات الرئيسية للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية (EBRD) والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (AIIB) بالإضافة إلى الجمعية العامة لمنظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة (UNWTO).

في شهادة أخرى على مكانتها العالمية المتنامية، ستستضيف أوزبكستان الدورة الثالثة والأربعين للمؤتمر العام لليونسكو في عام 2024، وهي المرة الأولى منذ أربعة عقود التي يقام فيها الحدث خارج باريس. وهذا مجرد واحد من العديد من الأحداث المرموقة التي تبرز ظهور أوزبكستان كمكان موثوق للدبلوماسية الدولية.

الالتزام بالاستقرار

على الرغم من حضورها الدولي المتزايد، تظل أوزبكستان ملتزمة بالبقاء بعيدًا عن المؤامرات الجيوسياسية والصراعات العسكرية. وبدلاً من ذلك، تركز سياستها الخارجية على تعزيز السلام والازدهار الاقتصادي والشراكات ذات المنفعة المتبادلة.

يتجلى هذا النهج البراجماتي بشكل واضح في التزامها بالتحالفات غير العسكرية وتركيزها على التكامل الاقتصادي، وخاصة من خلال المنصات الإقليمية مثل آسيا الوسطى بلس، والتي تسهل التعاون بين آسيا الوسطى والقوى العالمية مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة.

توسعت البعثات الدبلوماسية، مع سفارات جديدة في المجر وقطر والسويد، وقنصليات في روسيا وكازاخستان وقيرغيزستان والصين وتركيا. تلعب هذه البعثات الآن دورًا رئيسيًا في الدفاع عن المواطنين في الخارج. بالإضافة إلى ذلك، تم تقديم دخول بدون تأشيرة للمواطنين الأوزبكيين من قبل سبع دول، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة وتايلاند وإيران وعمان، في العامين الماضيين.

رؤية للمستقبل

وقد بنت أوزبكستان أهدافها السياسة الخارجية الطموحة في المستقبل على الواقعية. تهدف البلاد إلى مواصلة تعزيز العلاقات مع اللاعبين العالميين الرئيسيين مع تعميق التكامل الإقليمي. مع اندماج أوزبكستان بشكل أكبر في الشبكات الاقتصادية العالمية، ستواصل التركيز على التحديث وضمان تلبية سياساتها لاحتياجات مواطنيها.

ومع الإصلاحات المهمة الجارية والتركيز الواضح على الدبلوماسية الاقتصادية والاستقرار الإقليمي والتعاون المتعدد الأطراف، أصبحت أوزبكستان على استعداد لتصبح ليس فقط قائدًا إقليميًا، بل لاعبًا معترفًا به عالميًا في السنوات القادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى