قراءة في كتاب: “بلدة الحائط تخطيطها وعمارتها التقليدية – دراسة أثرية معمارية”
الرياض – واس :
أنجز الباحث زياد بن عيادة المصيول، كتاباً أثرياً بعنوان: “بلدة الحائط تخطيطها وعمارتها التقليدية – دراسة أثرية معمارية”.
ويقع هذا الكتاب الصادر من دار الأندلس للنشر والتوزيع بحائل في 293 صفحة من القطع الكبير، وقد تناول الباحث من خلال فصوله الخمسة تخطيط وعمارة بلدة “الحائط”، وأحيائها السكنية ومكوناتها ومنشآتها المعمارية الدينية والمدنية والدفاعية، إضافة إلى المنشآت المائية والخدمات المختلفة التي تلبي احتياجات السكان في بلدة شبه متكاملة المعالم ولا زالت محتفظة بمعالمها وبطرزها المعمارية والفنية وسماتها الحضارية القديمة، متبعاً في كل ذلك المنهج الاستقرائي والوصفي والتحليلي المقارن.
وبيّن الباحث أن “الحائط” الآن محافظة قائمة بذاتها تتبع لمنطقة حائل، وتمتع بجميع الخدمات الحكومية والأهلية المهمة، وتقع على نحو 250 كيلاً جنوب غرب مدينة حائل.
وأشار إلى أن “الحائط” كانت تسمى “فدك”، وهي من البلدان العامرة في “حَرّة خيبر” قبل أكثر من 1200 سنة قبل الميلاد، وقد ورد اسم الحائط (فدك) والحويّط (بديع) على المسلّتين اللتين عثر عليهما في أطلال المسجد الجامع بحرّان، ونشر الباحث الإنجليزي “جاد” النص المسماري لهاتين المسلّتين سنة 1378هـ، ويذكر النص حملة الملك البابلي “نابونيد” على شمالي غرب الجزيرة العربية عام (553 ق.م) ويذكر احتلاله لـ “الحائط والحويّط”، وإخضاعهما لسيطرته مدة إقامته في تيماء، لكن الحائط على الرغم من شهرتها جُهلت بعد حالة الفوضى التي أعقبت سقوط الدولة العباسية، ويذكر المؤرخ “حمد الجاسر” أن السمهودي وكثير من المؤرخين استغربوا عدم معرفة أهل المدينة لها في وقته.
ويُعد موقع “الحائط” من أهم المواقع الأثرية في منطقة حائل؛ حيث تضم عدداً كبيراً من القلاع والحصون والقصور القديمة المبنية بالأحجار البركانية السوداء، وتحيط بالبلدة من الجهتين الشمالية والجنوبية مرتفعات “الحرة البركانية” التي تنشر على واجهات صخورها مجموعة من الكتابات الإسلامية المبكرة.
ويحيط بالبلدة سور ضخم شُيّد من الأحجار البركانية السوداء، ويعود تاريخ بنائه إلى العصور الإسلامية المتأخرة ولم يبق منه سوى أساسه.
وتعد “الحائط” من أكبر قرى “حَرّة خيبر”، وتقع في واد كثير النخل قُدّر نخيله قبل أكثر من خمسين عاماً بعشرين ألف نخلة، ولعل اسم “الحائط” قد نشأ عن كون نخيل ذلك الوادي المتشابكة تمثل طوقاً يحيط بالبلدة.
ويركز الكتاب بشكل أساس على دراسة الجانب التخطيطي والعمراني التقليدي لبلدة الحائط القديمة التي لم تزل تحتفظ بمعالمها وطرزها المعمارية والفنية وسماتها الحضارية التي تدل على تعاقب تاريخي عبر القرون، ومن المعالم الرئيسية التي تبرز عمارة البلدة التقليدية سورها الذي بني على مرحلتين، الأولى كانت عام 1250هـ – 1263هـ، والثانية كانت بعد عام 1327هـ، ويصل ارتفاعه إلى مترين تقريبا،ً ويحيط بكامل البلدة بطول 6 كيلو مترات و 800 متر تقريباً، ويشتمل السور على 18 برجاً ذات أشكال مربعة وعدة أبواب وسبعة قلاع داخل المدينة وأكثر من 21 قصراً وحصناً على هيئة مجمعات سكنية محاطة بأسوار مستقلة وهي: “حي الفقرة القديم” و “حي الفقيرة” و “حي القصير” و “حي الشريف”، بالإضافة إلى المزارع والعيون الغنية بمياهها مثل: “عين فيّاضة” و “جريدة” و “الغوير” و “الغار” و “عجرة” و “الجواخين” و “العوينة” و “أبي سليمان”، كما تحتوي على 7 مساجد منها جامع كبير وهي: “مسجد القلعة” و “الضويحي” و “مسجدا عثمان القديم والجديد” و “مسجد قصر الحصان” وغيرها، وكذلك 4 أسواق رئيسة، مما يدل على أن الحركة التجارية كانت مزدهرة في مدينة الحائط آنذاك.
ومما سبق تتضح المكانة التاريخية والحضارية لبلدة فدك (الحائط الآن) التي ازدادت أهميتها الإستراتيجية خلال الفترة الإسلامية المبكرة؛ حيث ازدهرت بعد دخول الإسلام لها عندما فتح النبي – صلى الله عليه وسلم – خيبر في السنة السابعة للهجرة، وصالح سكانها على النصف من ثمارهم وأموالهم.
الجدير بالذكر أن “هيئة التراث السعودية” قد أعلنت قبل ثلاث سنوات عن اكتشاف نقوش أثرية ب “محافظة الحائط”، تعود للملك البابلي “نابونيد” في منتصف القرن السادس قبل الميلاد، وتُعطي دليلاً إضافياً على الدور التاريخي للجزيرة العربية وتواصلها الحضاري مع معظم حضارات الشرق الأدنى القديم، ويتكون الاكتشاف الأثري من نقش على إحدى الصخور البازلتية؛ يُجسّد الملك البابلي ممسكاً بيده الصولجان، وأمامه عدد من الرموز الدينية، إضافة إلى وجود “نص مسماري” يصل العدد التقريبي لسطوره إلى 26 سطراً، ليعد بذلك أطول نص كتابي يُعثر عليه في “المملكة العربية السعودية” حتى الآن، كما يعد موقع النقوش الصخرية في “الشويمس” التابع لمحافظة الحائط، والمسجل في قائمة التراث العالمي باليونسكو، واحداً من أهم المواقع الأثرية في المملكة والجزيرة العربية ككل.