هل حان وقت شراء عقار الأحلام في دبي؟
بقلم: ريتشارد جولي -رئيس القسم العقاري في دوبيزل
يعلم الجميع أن سوق العقارات في دبي بلغ ذروته في عام 2008 قبيل اندلاع الأزمة المالية العالمية، وهي أزمة ألقت بظلالها على أداء العقارات وحركة المبيعات لحين ظهور بوادر تعافي الإمارة في عام 2011.
وبلغ السوق ذروته مجدداً عام 2014، الذي شهد دخول المرحلة الثانية من التصحيح العقاري. ولم تظهر حتى الآن أي علامة حقيقية توحي بوصول السوق إلى قاع دورته الحالية، وهي الفترة التي يعقبها عودة النمو. وتؤكد أحدث الأرقام من موقع دوبيزل ذلك (الصورة 1)، فعند النظر إلى سعر القدم المربع لأعلى المناطق السكنية مبيعاً في دبي -وهي دبي مارينا، وداون تاون وسط مدينة دبي، وجزيرة نخلة جميرا- نرى أن الأسعار قد انخفضت خلال عام 2015 بشكل طفيف بنسبة بلغت 2٪، بعد أن ظلت في ارتفاع طوال السنوات الثلاث السابقة لها.
ويشير موقع REIDIN المتخصص بخدمات ومعلومات السوق العقاري إلى أننا ما زلنا على متن موجة هبوط الأسعار لدورة السوق (الصورة 2). وبينما يحرص المستثمرون والمالكون النهائيون على حد سواء على الشراء في دبي، إلا أن الكثير منهم يترقب اللحظة المثالية، ولكن تعريف الوقت الأمثل لا ينطبق بالضرورة على الجميع بنفس المنوال.
الصورة 2: مؤشر أسعار مبيعات العقارات في دبي (المصدر: www.REIDIN.com)
نهج الواقع المثالي للاستثمار:
ينص نهج “الواقع المثالي للاستثمار” (Best Case Investment Strategy) على القيام بالشراء عند انخفاض السوق إلى أدنى مستوياته والبيع عندما يكون في قمته. لكن بطبيعة الحال، لا يمكننا أن نعلم على وجه الدقة هذه المواعيد إلا بعد تخطيها. وهو ما يعني إضاعة الفرصة التي كنت تنتظرها بفارغ الصبر، ما يجعل من هذه الاستراتيجية غير عملية.
الصورة 3 منحنى ويلسون: التغير بين النقاط الدنيا والعليا –مراحل تسعير المنازل
(المصدر: الدكتور أندرو ويلسون)
النهج التفاعلي:
مع وضع ذلك في الاعتبار، قد يكون “النهج التفاعلي” (Reactive Investment Strategy) أكثر جدوى، ففيه تنتظر ظهور البوادر الواضحة لتعافي السوق قبل الإقدام على الشراء، حيث يتفق أغلب خبراء الاقتصاد بأن فترة التعافي من قاع دورة السوق هو الوقت الذي تكون فيه مخاطر الاستثمار عند أدنى مستوياتها والفرص عند أعلاها (الصورة 3). والجدير بالذكر أن ممارسي هذه الاستراتيجية ينصحون بالاحتفاظ بالعقارات حتى بعد بلوغ السوق ذروته، فالبيع بعد ذلك يجعلك على يقين من أن السوق قد وصل فعلاً إلى قمته وما من فرصة لتحقيق مزيد من الأرباح ضمن هذه الدورة. أما الجانب السلبي الوحيد فهو أنك تقوم بالشراء في ظل ظروف سوق مواتية للبائع، وعلى الأرجح ستبيع في سوق مواتية للمشتري (الصورة 4). وتتجسد الناحية الإيجابية في أنك تكون على علم بخططك للبيع منذ البداية، فالمستثمر الذكي يعرف دائماً متى سيبيع حتى قبل أن يشتري. وقد يكون السبب الذي يدفعك للبيع هو تحقيق هامش الربح المستهدف، أو ظهور عوامل تنذر بتبدل وشيك في وضع السوق، أو البحث عن عوامل ملموسة تشير إلى اقتراب بلوغ السوق قمته، مثل فترة طويلة من ارتفاع أسعار الفائدة والإيجار وانخفاض حجم المبيعات.
الصورة 4: طبيعة السوق المواتية للمشتري والبائع (المصدر: ريتشارد جولي)
نهج ترقب الأفضل:
أما نهج “ترقب الأفضل” (Fingers Crossed Investment Strategy) فيشهد قيام المستثمر بالشراء أثناء فترة تعافي السوق، ومن ثم محاولة تخمين موعد بلوغ السوق قمته للقيام بالبيع. وهو في هذه الحالة يستغل وضع السوق الذي يكون في صالحه.
في هذا السياق، ما زلت أذكر نصيحة قالها لي أحد المستثمرين في بورصة لندن، بأنه قرر ربط نشاط بيعه للأسهم بالفترة التي يبدأ فيها سائقو مركبات الأجرة بالتداول، وهي ليست ملاحظة عشوائية كما قد يتصور البعض، فهي تشير إلى الفترة التي توشك فيها دورة السوق على الوصول إلى قمتها. وتتميز هذه الفترة بفورة أنشطة الشراء من قبل جماعة من الناس ليسوا في ظل الظروف العادية بمستثمرين. لكن للأسف، في أكثر الأحيان، يقوم أغلب هؤلاء المستثمرين ذوي الخبرة المتواضعة باتباع غيرهم من دون وعي، وهم بذلك أكثر عرضة لمخاطر الاستثمار، فهي الفترة التي ينشط فيها أيضاً المستثمرون المتمرسون الذين يستغلون قلة معرفة البعض بالسوق.
وفي فترة الازدهار التي شهدتها سوق دبي، أقدم الكثير من المستثمرين على البيع والشراء على حد سواء أثناء فترات الارتفاع الكبيرة في السوق، مما ساهم في تضخيم أثر تدفق المستثمرين ذوي الخبرة المتواضعة إلى السوق، والذين جذبتهم الأعداد الهائلة للعقارات المعروضة للبيع، وخاصة مع وفرة خطط السداد المريحة، كما لعب الوكلاء قليلو الخبرة نسبياً دوراً في استمرار توافد المستثمرين إلى السوق حتى بعد فترة طويلة من انهيار العوامل الأساسية الداعمة له.
وفي حين قد يكون من الممكن كسب المال عن طريق الشراء والبيع الفوري أثناء موجة ارتفاع السوق، إلا أن ذلك محفوف بالمخاطر ولا ينصح به. وتتصاعد المخاطر بشكل كبير عند استخدام هذه الاستراتيجية في الفترة التوسعية لدورة السوق (الصورة 1 و2). فإذا ما شهد السوق تحولاً سلبياً مفاجئاً بعد وقت قصير من الشراء ستحتاج إلى سيولة مالية كبيرة للاحتفاظ بعقاراتك لفترة كفيلة لاسترجاع المال الذي أنفقته بادئ الأمر.
وتبادرت إلى مسامعي أن الكثير من البائعين قاموا بالانسحاب من الصفقات وتكبد تكلفة القيام بذلك بسبب ارتفاع أسعار عقاراتهم بسرعة قبل الانتهاء من معاملات نقل الملكية، وهي بالطبع خطوة منطقية من وجهة نظر البائع، لكن ليس عليك كمشتري المخاطرة بحدوث ذلك معك إذا ما اعتمدت نهجاً أكثر استباقية في الاستثمار يمكنه ضمان سير عملية الشراء والبيع بسلاسة أكبر.
الدروس المستفادة من الفقاعة العقارية:
قبل حدوث الأزمة الاقتصادية المالية العالمية عام 2008، كانت ظروف سوق العقارات في صالح البائع. فقد كان الطلب على العقار مرتفعاً وكانت نسبة المبيعات عالية حتى لو كانت المبالغ المطلوبة مرتفعة. وفي كثير من الحالات، تلقت العقارات عروضاً متعددة فاقت سعر الطلب الأولي للبائع. لكن مع انهيار سوق الإسكان على خلفية تداعيات الأزمة المالية العالمية، انقلبت موازين السوق التي أصبحت في صالح المشتري، ما دفع الباعة إلى تقديم عروض تحفيزية لفتح شهية المشتري. وتوقع المشترون عقارات في حالة ممتازة وبأسعار مخفضة، وكان من الممكن في كثير من الأحيان تأمين اتفاقيات شراء بسعر يقل عن السعر المطروح. وهو ما يبدو مشابهاً إلى حد ما لوضع السوق الحالي.
وإذا ما اتفقنا على أن أفضل وقت للشراء هو عندما تكون أحوال السوق في صالح المشتري وتكون دورة السوق عند مرحلة هبوط الأسعار، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف يمكننا تحديد هذه اللحظة ونحن نقترب من نهاية الفترة المواتية للمشترين؟ إن الشراء مبكراً في فترة السوق المواتية للمشترين يكون أيضا محفوفاً بالمخاطر، فلا يمكن معرفة نطاق هبوط السوق قبل أن يتعافى. ويعتمد قرار الشراء بالتالي على مدى معرفتك بالسوق وعلى ظروفك الشخصية بطبيعة الحال. ويجب عليك أيضاً أن تكون قد قررت إذا ما كنت تنوي شراء العقار للعيش فيه أو لتأجيره، حيث سيلعب عائد الإيجار دوراً حيوياً في تحديد الملاءة المالية الكلية للشراء.
ويعتبر البعض أن نهاية الفترة المواتية للمشترين هي عندما ترتفع الأسعار إلى مستوى يجعل من العقار خارج متناول يدهم.
الوقت الأنسب للشراء:
وختاماً، أعتقد أن سوق العقارات يتجه حالياً نحو قاع الموجة الهبوطية وبالتالي فإن وقت الشراء قد حان. وتدل الزيادة في أعداد المشاريع الجديدة التي يتم إطلاقها، والاستعداد لمعرض إكسبو دبي 2020، والتغييرات الأخيرة في القانون العقاري والرسوم المرتبطة بالشراء، على أن السوق أصبح أكثر نضوجاً، كما أن انخفاض أسعار العقارات في الأشهر الأخيرة تجعلنا أكثر تفاؤلاً بسوق دبي العقاري. ولا ننسى أيضاً أن معدلات الرهن العقاري تقترب من أدنى مستوياتها على الإطلاق!
إن توقيعي مؤخراً على مذكرة تفاهم لشراء عقار، رسخ من رؤيتي المستندة على الخبرة الواسعة في هذا المجال. وتوصلت إلى أن التحدث إلى وكيل عقاري ذو خبرة واسعة هو السبيل الأنسب لاتخاذ أفضل القرارات الاستثمارية استناداً إلى وضعك المالي. وإذا ما اعتقدت أن الوكيل لم يسأل أسئلة كافية عن وضعك المالي فإنه من دون أدنى شك لن يتمكن من إعطائك نصيحة مفيدة. وأخيراً وليس آخراً، تذكر أنك وحدك من سيتحمل مخاطر استثمارك لذا تأكد من الحصول على أكبر قدر من المعلومات قبل الإقدام على أي عملية شراء. وحظاً موفقا!