بركة “بيسان” نمط معماري فريد للعمارة الإسلامية على دروب الحج القديمة
جدة – واس :
إعداد: عقيل الحاتمي، تصوير: على الشدوي
تعدّ بركة بيسان “الخرابة” من أجمل البرك على درب الحج القديم كونها تشكل نمطاً معمارياً فريداً للعمارة الإسلامية في القرن الهجري الأول والثاني، ولأنها احتفظت بكثير من روعتها بعد ترميمها بطريقة لم تفسد قيمتها التاريخية والأثرية، وذلك في عملية الترميم التي أمر بها جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله – حيث وُجِد نقش يؤرخ عملية الترميم بتاريخ 25 / 5 / 1393هـ، وما زاد جمالها تصميمها النادر بقبابها وبنيانها بطريقة “الأزج المعقود”, إضافة إلى موقعها وسط الصحراء العذية بين غابات أشجار السلم والسمر والسرح ما جعلها روضة غناء خاصة أوقات الأمطار وامتلاؤها بالماء وجريان السيول من حولها.
قامت وكالة الأنباء السعودية “واس” برحلة استكشافية لموقع بركة الخرابة “بيسان” وقفت خلالها على عدد من المعالم التاريخية والأثرية والمعالم التي مازالت محافظة على هيئتها وجمال تصميمها، وتتبعت أبرز طرق الحج القديمة التي تمر بهذه البركة ومن أهمها درب الحاج الكوفي الذي اشتهر بـ “درب زبيدة”، والذي يبدأ من الكوفة بالعراق وينتهي بمكة المكرمة بطول 1500 كلم، ودرب الحاج البصري وهو طريق قديم يوازي طريق الحاج الكوفي ينطلق من البصرة بالعراق ويلتقي معه في أم خرمان “أوطاس”، ويبلغ طوله 1200 كلم.
وتقع بركة “الخرابة” شمال شرق مكة المكرمة 170 كلم، سميت قديماً ببركة “وجرة” كما تعرف أيضا ببركة “القصر” وهي إحدى منازل محطة “بيسان” على درب الحاج البصري، الذي يبدأ من مدينة البصرة مروراً بشمال شرق الجزيرة العربية عبر وادي الباطن مخترقاً عدة مناطق صحراوية أصعبها صحراء الدهناء، ثم يمر بمنطقة القصيم، وبعدها يسير الطريق موازياً لدرب زبيدة حتى يلتقيان عند محطة “أوطاس” التي تقع على مسافة عشرة أميال من ميقات ذات عرق.
يحتوي الموقع على بركة مربعة الشكل مدرجة من الأعلى إلى الأسفل يعود بناؤها إلى القرن الثاني الهجري وهي من بناء هارون الرشيد كما سميت أيضاً ببركة الرشيد، تجاورها بركة أخرى دائرية الشكل مدرجة من الأعلى إلى الأسفل تنسب لعيسى بن علي العباسي، يوجد بينهما غرفة للمراقبة يتميز تصميمها بوجود القباب عليها والتي أعطتها هيئة كهيئة القصر لذلك سميت كذلك ببركة القصر، كما أن للغرفة أبواباً ذات عقود نصف دائرية، يمر من تحت مستوى الغرفة قناتان خاصتان بتصريف المياه من البركة المربعة التي تعمل كمصفاة إلى البركة الدائرية، تصل المياه إلى البركة المربعة عن طريق قناة أرضية مسقوفة، تمتد من وادي العقيق بمسافة تقدر بحوالي 15 كم.
وأكد لوكالة الأنباء السعودية عالم الآثار الدكتور سعد بن عبدالعزيز الراشد أن التصميم المعماري لبركة “وجرة” أو كما تعرف ببركة “بيسان” يعد نموذجاً فريداً للعمارة الإسلامية في العصور الهجرية المبكرة ما يدل على التقدم المعماري والخبرة الكبيرة التي توفرت لدي المهندسين المعماريين في ذلك الوقت.
وأشار الدكتور الراشد إلى أن البركة تتكون من بركتين الأولى مستطيلة الشكل وهي عبارة عن مصفاة تستقبل المياه بواسطة قناة أرضية تجلب مياه السيول والأمطار التي تغذي وادي العقيق الذي يصب في البركة، تبلغ مساحتها السفلية حوالي (35×28م) في الأعلى وكون المصفاة مدرجة فإن المساحة السفلية تصل إلى (22×12،5م) ويصل عمق المصفاة (5،79م) ويبلغ مجموع عتبات المصفاة من كل جهة 11عتبة، وترتفع آخر عتبة عن أرضية البركة حوالي متر تقريباً، وفي ركن المصفاة الشمالي الغربي يهبط سلم صغير مكون من ست عتبات نصف دائرية إلى القاع، والعتبات تزداد حجماً كلما قربت من القاع، أما ركنا قاع المصفاة الآخران فقد زود كل ركن بكتف نصف دائري.
وأضاف الدكتور الراشد أن البركة الرئيسية الأخرى هي على درجة كبيرة من الضخامة يبلغ قطرها عند الحافة العلوية حوالي 54 م وعند القاع يصل قطر إلى حوالي 40 متراً، مبيناً أن البركة والمصفاة بنيتا بالأحجار الجرانيتية المنحوتة بعض الشيء، وثبتت بالجص والمونة ويتوسط البركة والمصفاة بناء مرتفع عبارة عن غرفة مستطيلة الشكل ذات قبتين لها بابان في كل ضلع عدا الضلع الجنوبي له باب واحد والأبواب مقوسة من الأعلى ومبنية بأحجار منحوتة قوية التماسك.
ونوّه الدكتور الراشد بالدور الكبير الذي تقوم به وزارة الثقافة ممثلة بهيئة التراث والتي تسعى من خلال مبادراتها المنبثقة من رؤية المملكة 2030م الرامية إلى تطوير قطاع التراث والحفاظ عليه، وتطوير الأنظمة المتعلقة بالتراث وحفظه؛ من خلال اقتراح إستراتيجية قطاع التراث -في إطار الإستراتيجية الوطنية للثقافة، عاداً رؤية المملكة رؤية محفّزة للعناية بالآثار وتأهيلها لمشروعات تنموية مستدامة، ومن أهم عناصرها الاستفادة من العمق التاريخي للمملكة، ما يدعو إلى الاستفادة من المعالم والموروثات القيمة الموجودة فيها.