خطبتا الجمعة من السجد الحرام والمسجد النبوي
الرياض-سويفت نيوز:
أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس المسلمين بتقوى الله في السر والعلن.
وقال فضيلته : ” إنه في زَمَنِ الانْفِتَاح العَالَمِي المُبْهِر بإعلامه وفَضائِيَّاتِهِ، وتِقَانَاتِه، وعولمته وشَبَكَاتِه، وطَوَارِفِهِ ومُخْتَرَعَاتِه، تَبْرُزُ قضية شرعية مهمة، ذاتُ مقامٍ رفيع، وشأنٍ عظيم بديع، تُناشد الأمةَ دون الانحدار، وتستلفت هِمَمَ الغُير أن ترتدَّ في سحيق القرار، تلكم -أيها الأحبة الكرام- هي قضيةُ الفتوى والتوقيع عن رب البريات عبر القنوات، ووسائل الاتصال الحديثة والتقنيَّات، مبيناً أن للفتوى في شريعتنا الغَرَّاء، مكانة سامِقة سَمِيَّة، ومنزلة شريفة عَلِيَّة، بها تستبين معالم الدين، وتنجلي مبهمات الأحكام عن المستفتين، ويتلقى المسلمون أحكام رب العالمين، وهي فرض كفاية، إذا قام به بعض المسلمين سقط عن الآخرين، حتى لا تخْلُو الأمة من قائم لله بالإفتاء والبيان، بالدليل والبرهان، ذاك هو الأصل في حُكمها، ولعظيم شأنها تولاها رب العالمين بِذَاتِه العَلِيَّة فقال سبحانه: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ﴾، وقال تعالى :﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ﴾.
وأوضح فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام أن أول من نال شرف الإفتاء، والتوقيع عن رب الأرض والسماء، فَرَقَى بالإفتاء الذِّروة والمنتهى الحبيب المصطفى صل الله عليه وسلم، فعلَّم الصحابة آدابها وأحكامها، ثم تولّى زمام ذلك بعده صحابته الأطهار، ثم أهل العلم من السلف الأبرار، والتابعين الأخيار رضي الله عنهم ما تعاقب الليل والنهار. ولمعرفتهم بمكانتها وخطورتها كانوا يتهيبون الإفتاء، فَمَا منهم من أحد يُستفتى عن شيء إلاّ وَدَّ أن أخاه كفاه الفُتْيَا، مؤكداً على الحاجَة إلى الفتوى قائمة إلى قيام الساعة، لا يخبو نورها، ولا تَتَغَوَّرُ بُحُورها، والحاجة لها في هذا العصر الهَائج بالمُتغيرات، المصطخب بالتحولات، العاجِّ بالمخترعات والفضائيات والتقانات، والشبكات والقنوات التي أحالت أقطار المعمورة، الشَّاطَّة المتنائية، إلى قُرىً مُتَسَامِتَةٍ مترائية، آكد وألزم، وأوجبُ وأحْتَم، إلا أنَّ الغيور ما أكثر ما يَرَى من أشباه المفتين، وأنصاف المتعالمين، الذين يتجاسرون وبجرأة عجيبة على مقام التَّحليل والتحريم.
وأشار الدكتور السديس إلى أن من أوجب الواجب أن يقوم بهذا العمل المؤهلون دون المتعالمين، والأُصَلاء دون الدُخَلاء؛ حِفظًا لدين الأمة، وتوحيدًا لكلمتها، وضبطًا لمسالكها ومناهجها؛ وقَصْرُ فتاوى القضايا المهمات، والنوازل والملمَّات على ولاة الأمور ومَنْ في حُكْمِهم من العلماء الموثوقين، والجهات المخوَّلة، كهيئات كبار العلماء والمجامع الفقهية والهيئات الشرعية، كي تُحْكَم الأحكام، وتُزَمَّ أمور المسلمين والإسلام، قال الحافظ ابن عبد البر :”الإمام والحاكم إذا نزلت به نازلة لا أصل لها في الكتاب ولا في السُّنة، عليه أن يجمع العلماء وذوي الرأي، ويشاورهم ، موضحاً فضيلته أن من الضوابط المهمة، للفتاوى في عصر التقانة، التي تُذَاع على عالم مفتوح، لا يُفرِّق بين المِلَلِ والمذاهب، والفِرَقِ والمشارب، والثقافات والأفكار، ألا يتولاها إلا المؤهلون الأكفاء.
وأفاد أنه مما ينبغي العناية به معرفة آداب الإفتاء والاستفتاء، فإن للمفتي آدابًا وأخلاقًا تُجَمِّل منصبه، وتُكمِّل منزلته، وتستميل قلوبَ السَّائلين وأبصارهم بما يليق بجلال الإفتاء ومكانته، ومن أهمها صلاحُ النِّية وصِدْقُ اللجوء إلى رَبِّ البَرية، و أن يُوافِقَ قولُهُ عَمَلَه، وأنْ يكونَ الحقُ رائدَه، والنصُّ دَلِيلَهُ ومُرْشِدَه، حَسَنُ الاستماع، جيّد الملحظ، مستفسرًا لما يحتاج إلى استفسار. وعلى المستفتي أن يتحرَّى في سؤاله المفتي التقي الورِع الثقة، و أن يُوَقِّره ويحترمه ويُجِلّه، و لا يسأل عن المسائل الشاذة، ولا يُلَحَّ في تطلّب الجواب، و لا يسأله في حال ضجره، أو هَمِّه، أو غير ذلك مما يشغل قلبه وفكره، وأن يحرص على الإيجاز والاختصار مع الوضوح والبيان، ويدعو للمفتي في حضوره وغيبته، ولا يواجهه بما يكره من الألحاظ أو الألفاظ.
ودعا إمام وخطيب المسجد الحرام علماء الأمة للحفاظ على هُوية الأمة الإسلامية ووحدتها ووسطيتها واعتدالها، وتعاهدها بالتفقيه والتوعية، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، والتصدي للشبهات المضللة والدعوات المغرضة، وفوضى الإفتاء عبر الوسائل الحديثة، ومواقع التواصل المختلفة، وتقوية التواصل مع شباب الأمة لتعزيز نهج الوسطية بينهم، وتحذيرهم من التفرق والتحزب والمذهبية والطائفيةِ والتعصب، وتحقيق القدوة الصالحة لهم، والاجتماع على القضايا الكلية ومنظومة الأخلاق والقيم الكبرى، والتحلي بأدب الخلاف في مواضعه صونا لمصالح الأمة العليا، خاصة في زمن الانفتاح الإعلامي العالمي، بفضائياته، وتِقَانَاتِه ، داعياً في الوقت ذاته أبناء الأمة الإسلامية أن يَرْعَوا للعلماء وأهل الفتوى حقهم، ويعرفوا لهم فضلهم، ويرفعوا مكانتهم، ومن حق أهل العلم الرجوع إليهم والصدور عنهم، خاصة في النوازل والمستجدات، وعند حصول الفتن والنوازل العامة، ووضع الثقة بِهم فهم أهل الدراية، لاسيما عندما تشتبه الأمور وتلتبس الحقائق، ويكثر التشويش والخلط، حينئذ تُعْطَى القوس باريها ليقول أهل العلم قولتهم، والناس لهم تَبَع. قال الحسن البصري: “الفتنة إذا أقبلت عرفها كل عالِم، وإذا أدبرت عرفها كل جاهل” .
ونوه فضيلة الشيخ السديس إلى أنه في لُجَجِ احتدام العالم واضطرابه، وتخلخُل أركان أمنه واحترابه، وفي عصر الثورة التِّقَنية، وأوْج الحضارة والمدنية، يشاد بالحدث العلمي المهم؛ إقامة ندوة:”الفتوى في الحرمين الشريفين وأثرها في التيسير على القاصدين”، تأكيدا على عناية ولاة الأمر في هذه البلاد المباركة بالحرمين الشريفين وقاصديهما، حِسًّا ومَعْنَى، وقد أُثْلجت صدور المؤمنين، وقَرَّتْ أعين الغيورين، بوثيقة الحرمين الشريفين في الفتوى الصادرة عن الندوة المباركة التي عَزَّزَت مكانة الفتوى، وأبَانَتْ التزام بلاد الحرمين الشريفين منهج الوسطية والاعتدال في شتى المجالات؛ وخصوصا في الفتوى، وعنايتها ببناء المُفْتِين، وحرصها على استثمار التِّقَانة والتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي؛ لإيصال رسالة الحرمين الشريفين العلمية والدعوية والتوجيهية والإرشادية وفق منهج الاعتدال والوسطية بمختلف اللغات العالمية؛ للتسهيل والتيسير على قاصدي بيت الله الحرام من الحجاج والمعتمرين والزائرين، فجزى الله قادة هذه البلاد المباركة؛ منارة التوحيد والعقيدة، ومأرز الإيمان ورائدة الاعتدال والوسطية خير الجزاء، وجعلها في موازين أعمالهم الصالحة.
وفي المدينة المنورة أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور عبدالباري بن عواض الثبيتي المسلمين بتقوى الله
وبين إمام وخطيب المسجد النبوي أن الإنسان يمر بمراحل في هذه الدنيا موضحاً أن هذه المراحل فيها, ضعف ثم قوة ثم ضعف, طفولة ثم شباب ثم شيبة قال جل من قائل ((اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً)) مبيناً أنها آية في كتاب الله رسمت معالم مسيرة الإنسان في الحياة, ومراحل تنقله فيها, ضعف ثم قوة ثم ضعف, طفولة ثم شباب ثم شيبة, وفي كل المراحل يلازم الإنسان الضعف الذي لا ينفك عنه, فهو لا يدرك مألات الأمور, ولا يضمن استقرار حياته.
وبين فضيلته أن أول مراحل يمر بها الإنسان تكون وليداً في المهد, لا يقوى على القيام بشؤون نفسه, وفهم محيطه, ضعيف في بدنه وجوارحه, ثم يمده الله بالقوة شيئاً فشيئاً مشيراً إلى أن المتأمل لما يمر به الإنسان حين يكون وليداً يسير في الحياة برعاية الله وحفظه
وأضاف : أن مراحل الشباب هي أعز مراحل العمر التي تتسم بالحيوية والعزيمة, وهي مصنع النجاحات, والمؤمل أن صاحبها ينفض عن كاهله الكسل والخمول, وأن يكرس شبابه في طلب العلم والعمل المثمر قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لرجلٍ وهو يَعِظُه : اغتنِمْ خمسًا قبل خمسٍ : شبابَك قبل هَرَمِك، وصِحَّتَك قبل سَقَمِك، وغناك قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك. .
وتابع فضيلته يقول : مهما بلغ الإنسان من القوة في شبابه فإن ذلك إلى زوال, ودوام القوة محال, فهذه سنة الله في الكون, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن حقًا على اللهِ عزَّ وجلَّ ، أن لا يَرْتَفِعَ شيءٌ مِن الدنيا إلا وضعَه) فمن الحكمة أن يعمل المرء لدار البقاء والخلود التي هي صفاء بلا كدر, ولذة بلا انقطاع ونعيم لا يحول ولا يزول, فالضعف ثم النشوة ثم الضعف درس في تقلب الأحوال, فالكسر يجبر, والهم يزول, والقليل يكثر, والمرض ينتهي, والبلاء يرتفع, والدنيا تدور بأهلها صعوداً ونزولاً, والحكيم كل يوم هو في شأن.
مردفاً فضيلته أن من هدي الاسلام إنزال من كبر سنه منزلته ومعرفة قدره وغمره بالرعاية والحب قال صلى الله عليه وسلم (إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ تَعَالَى: إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبةِ المُسْلِمِ)
وفي الخطبة الثانية أكد إمام وخطيب المسجد النبوي أن نعمة القوة تدوم بملازمة الاستغفار, والمبادرة إلى التوبة عند الوقوع في الزلات, قال تعالى(وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَآءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ) .