«قنينة البلاستيك» عملة نقدية جديدة ” د. محمّد النغيمش”
سويفت نيوز_وكالات :
الأفكار الخلاقة تأتي أيضاً من أقاصي الشرق، فليس الغرب وحده من يحتكر المشروعات الإبداعية. هذه المرة فاجأتنا إندونيسيا التي يعيش فيها أكبر عدد للمسلمين في العالم، بمشروع جميل، تتلخص فكرته في طلب مسؤولي مدينة سورابايا من سكانها استخدام الحافلات مقابل التزامهم بدفع قيمة رحلة «الباص»، بجمعهم لعدد محدد من القناني البلاستيكية بدلاً من العملة النقدية!
كانت التجربة محفوفة بالمخاطر على ما يبدو، غير أن القائمين عليها قد فوجئوا بالإقبال الكبير من سكان ثاني أكبر مدينة في إندونيسيا وأكثرها تلوثاً على الإطلاق
باختصار، طلب المسؤولون من الناس جمع تلك القناني واعتبارها عملة نقدية لقيمة الرحلة، بدلاً من إلقائها على قارعة الطريق أو سلة النفايات
ولغة الأرقام كشفت لنا أن «استخدام 5 قنانٍ بلاستيكية في رحلة مدتها ساعتان، يساوي جمع 7.5 طن من البلاستيك من الحافلة الواحدة شهرياً» -حسبما قرأت في أحد إصدارات القمة العالمية للحكومات- بمعنى أن الحافلة الواحدة يمكنها جمع مواد بلاستيكية تزن نحو 3 سيارات خلال 30 يوماً (على افتراض أن وزن السيارة نحو 2.5 طن)! وقد جُمع حتى كتابة هذه السطور ما يربو عن 62 ألف كيلوغرام من النفايات البلاستيكية
عندما يتأمل المرء هذه الفكرة، يجد أنه في مقدور الإنسان البحث عن حلول خلاقة. وحبذا لو جاء مخترع عربي بآلة يمكن أن تلقى فيها القناني البلاستيكية فيزنها، ليعطي صاحبها إعفاءً من رسوم حكومية أو خدمات عامة، وذلك بعد أن تظهر له على الشاشة قيمة المبلغ الذي وفَّره من هذه القناني
الإحصائيات العالمية تشير إلى أن البشرية تستهلك سنوياً نحو 480 مليار قنينة بلاستيكية، أي 40 مليار شهرياً. وهو رقم هائل، وفي ازدياد مذهل وخطير؛ لأنها لا تتحلل إلا بعد 450 عاماً، وتخترق أحشاء الأحياء البحرية. ولذلك انتشرت برادات ماء صديقة للبيئة، تشجعك على إعادة تعبئة قنينتك البلاستيكية، ثم تتفاخر على شاشتها بعدد القناني البلاستيكية التي وفرتها بسبب دعوتها الناس لإعادة التعبئة، بدلاً من شراء قنينة جديدة
وعندما نعلم أنه بحلول عام 2050 سيتجاوز حجم النفايات البلاستيكية الملقاة في قيعان البحار عدد الأسماك، فإننا أمام كارثة حقيقية بمعنى الكلمة
الموضوع ليس فقط كم جمعنا من قطع بلاستيكية؛ بل برفع الوعي المجتمعي تجاه خطورة سلوكياتنا التي تهدد كوكبنا. والبداية الصحيحة تبدأ من البيت والمدرسة والإعلام، على أمل أن نحدث تغييراً بشرياً مسؤولاً في تصرفاتنا. وهكذا حلت أمم كثيرة مشكلاتها