مقالات

دردشات على جدار الزمن (٢-١٢)

 

بقلم – حمود بن علي الطوقي:

(حي اكدال) احد الاحياء الجميلة والراقية في العاصمة المغربية الرباط هنا سوف اسكن حيث تقع شقتنا في شارع فرنسا. زنقة ملوية رقم ٤٠ الشقة ٢٢ بالدور الثاني ، لن استطيع ان انسى هذا العنوان فقد حفظته على ظهر القلب . وكان يتطلب مني ان اذكر عنوان سكني في ايه معاملات ، وشارع فرنسا هذا ،يعد من اشهر الشوارع في حي اكدال حيث الفلل الراقية والبنايات الجميلة ويوجد به عدد من المقاهي الراقية والمشهورة واصبحت مع مرور الوقت رفيق هذه المقاهي حيث تعتبر المقاهي في المغرب ملتقى للحوار يجتمع فيها اصحاب الفكر واساتذة الجامعات وايضا يلتقي الطلبة للمذاكرة .
ما يميز شارع فرنسا في حي اكدال انتشار على جانبي الطريق اشجار البرتقال ( الماندرين ) . كنت استغرب عندما ارى فاكهة البرتقال تزين هذا الشارع ويتم تقليم هذه الاشجار لتعكس جمالية الطريق وثمر هذه الاشجار بفاكهة يوسف افندي والمغاربة يطلقون عليها الماندرين ولا احد يقطف ثمارها. حتى تلك التي تسقط في الارض لا تجد من يلتقطها . حقيقة الامر ليس شارع فرنسا بهذا الجمال المتناسق. بل كل شوارع حي اكدال بهذا الجمال والحيوية وتنتشر ايضا المقاهي والمكتبات والبقالات .
كان لابد لي ان استكشف هذا الحي الجميل. وكنت اخرج متجولا حتى اتمكن من معرفة المنطقة ، أمر على شارع فال ولد عمير وفي أخر الشارع يقع جامع بدر الشهير وقيل لي انه بني في عصر الادارسة او عصر الموحدين .
كان بالقرب من العمارة التي اسكن فيها مقهى ومطعم مشهور جدا واسمه. مطعم ( دادا ) ويعتبر من المطاعم التي تقدم الاكلات المغربية والمطبخ المغربي يعد الاشهر على مستوى العالم ويتميز هذا المطعم بتقديم الحريرة المغربية التي تذوقتها لاول مرة في هذا المطعم ، والحريرة عبارة عن شوربة شعبية مشهورة ولابد ان تكون حاضرة في المطبخ المغربي وتشتهر. الحريرة بمذاقها المتميز ربما يتميز بها هذا المطعم عن غيره من المطاعم ، ويشهد المطعم اقبالا كبيرا. خاصة يوم الاحد حيث الاجازة الرسمية . ويقدم هذا المطعم ايضا الكسكس والرفيسة والطاجين باللحم وبالرقوق والسفة المدفونة بالدجاح .
بالقرب من عمارتنا ايضا مكتبة لبيع الكتب (وراق ) ويكفي ان تلقي نظرة لهذه المكتبة لكي تحكم على تهافت المغاربة على اقتناء الكتب حيث تشهد المكتبات رواجا كبيرا والمغاربة شعب يحب القراءة واطلاع على كل ما هو جديد من الكتب والروايات .
و ملازق للمكتبة مقهى اسمه لابيش وبالعربي مقهى الحطبة وعرفت لاحقا ان في هذا المقهى يلتقي فيه الطلبة العمانيين خاصة الاخوة من محافظة ظفار . في هذا المقهى تعرفت على عدد كبير من الزملاء ومنهم الاخ الصديق العزيز من محافظة ظفار وكان طالب يدرس الحقوق ويكبرني لسنوات اسمه سعيد الشحري ولقبه
(ابو سعيد) .علاقتي بابو سعيد استمرت لسنوات وعمل بعد تخرجه في بلدية ظفار وكان احد الاوائل الذين اسسو مطعما في سهل اتين لظبي اللحوم بالطريقة الظفاربة التقليدية ونال هذا المطعم شهرة واسعة ليس فقط على مستوى محافظة ظفار بل على مستوى السلطنة ووصل صيته دول مجلس التعاون الخلبجي ، وكنت عندما ازور صلالة اثناء فترة الخريف لابد من زيارة ابو سعيد لتناول المظبي .
توفى ابو سعيد رحمه الله الرجل الطيب والشهم والمكافح وكان سبب في توجه عدد كبير من الشباب في محافظة ظفار للاستثمار في مجال المظابي .
كما ذكرت ان حي اكدال من الاحياء الجميلة وكان فترة العصر وقت مناسب للتجول والتعرف على اسرار هذا الحي ولاحقا بعد ما تعرفت على زملائي واصبح لدى اصدقاء ، كنا ننرجل حول الحي بدءا من شارع فرنسا مرورا بشارع فال ولد عمير وشارع الابطال وشارع الاطلس وشارع عمر بن الخطاب .
اثناء هذه الجولة وقد تكون يوميا خاصة وقت قبل غروب الشمس نتصادف كطلبة عمانيين او زملاءنا من الطلبة من اليمن او الاردن او السودان نتحدث نتتبادل اطراف الحديث
وكانت الجولة تنتهي باخذ قسط من الراحة في مقهى الوزاني حيث نحتسي الشاي المغربي اللذيذ المعروف بأتاي المشحّر وايضا لابد من التوقف في مقهى العربي والتصق اسم مقهى العربي باسم النادل العربي رغم ان المقهى اسمه الرياض ، وهذا العربي سوف نخصص له حلقة خاصة للحديث عنه .
من جولات التي لايمكن انساها تلك الجولة التي كانت مع الشاعر الراحل محمد الحارثي رحمه الله الذين كان يزورنا في فترات متقاربة واكثر ان في احدى هذه الجولات توقف واشترى عباد الشمش ( الزريعة) حيث تجد باعة يتجولون لبيع المكسرات وقال لي عندما تجوع يكفيك ان تتناول عباد الشمش قد يغنيك عن تناول الطعام خاصة في حالات التقشف التي يمر بها معظم الطلبة .
وبعد قضاء يوم جميل وفي كثير من الاحيان تجد نفسك تطرق باب احد الزملاء فتدخل شقته وكانك في شقتك .
حقيقة هذه الاخلاق الحميدة التي يتميز. الطلبة العمانيون فكل البيوت مفتوحة لهم. وكانت بيوت اقامة الطلبة مفتوحة ويجتمع الطلبة عادة للعب الكوتشينة وايضا يجتمعون في اوقات الاجازات ويطبخون ، اما بقية الايام فكان الطبخ يتم من خلال ( الشغالة) التي تأتي منذ الصباح الباكر. وتجهز وجبة الافطار الصباحي وتقوم ايضا بتجهيز. الغدا وغسل الملابس وتنظيف البيت .
كان لكل شقة من شقق الطلبة ( شغالة ) وقد تكون هذه ميزة طلبة المغرب. عن غيرهم من الطلبة فالطلبة الذين يدرسون في لندن وامريكا. واوروبا يفقدون هذه الخدمات ، هكذا كانوا يخبروننا عندما يزورون المغرب في فترة الايجازات .
يتبع

في الحلقة القادمة ساتحدث عن الدراسة في جامعة محمد الخامس وسر التحاقي بكلية الاداب والعلوم الانسانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى