أنجيلا ميركل.. عالمة في ثياب سياسية
برلين – سويفت نيوز:
وظَّفت ميركل لمدى أسابيع عقلانيتها ممزوجةً بعاطفتها غير المعهودة لقيادة ألمانيا في معركة ناجحة نسبياً في التصدي لفيروس كورونا “كوفيد 19”.
وقد أثبت الوباء تربّعه على قمة التحديات لشخصية سياسية اتسم أسلوبها القيادي بالتحليلي غير العاطفي والحذر، ففي خضم سعيها لإحقاق الاستقرار الاجتماعي والسياسي خلال مرحلة تفشي الوباء، تحظى ميركل بعدد من الفوائد كوجود جهاز متناسق ومرموق من الخبرة العلمية والطبية على امتداد ألمانيا، وثقة الناس المكتسبة بجدارة والحقيقة غير القابلة للدحض القائلة إن القيادة الثابتة والحكيمة عادت لتشكِّل النمط السائد.
وتطل ميركل بخبرتها الممتدة على 30 عاماً بمواجهة واحد من التحديات الجسام التي تتطلب التفكير الهادئ والعقلاني في أوج أدائها كنموذج للمصداقية المتواضعة لعالم منكب على العمل، ويبدو أن الأمر يؤتي ثماره على المستويين السياسي والعلمي.
وأدركت المستشارة كمواطنة سابقة لألمانيا الشرقية تثمن معاني التحرر والحرية، ما الذي يعنيه الحجر المنزلي تماماً لمواطنيها، وقد أدلت في 18 مارس عقب إغلاق البلاد مدارسها واقتصادها وحياتها بخطاب تلفزيوني رسّخ دعائم قيادتها.
وتوجهت من وراء مكتبها محاطةً بعلم بلادها وعلم الاتحاد الأوروبي بكلمات مؤثرة معترفةً بأن “مفهومنا حول المبدأ الطبيعي والحياة العامة وتقاربنا الاجتماعي يخضع لاختبار غير مسبوق”.
وأكدت أهمية اتخاذ قرارات سياسية تتسم بالشفافية، مشددة على أن كل معلومة تتم مشاركتها لا بدّ أن تستند للبحث العلمي، نقلاً عن “ذا أتلانتك“.
وقال ميركل، الحاصلة على شهادة الدكتوراه في الكيمياء الكمية: “منذ الحرب العالمية الثانية، لم تشهد بلدنا تحدياً يتطلب منا العمل بروح التضامن كما اليوم”.
ومع أنها لم تتحدث يوماً عن السبب الذي جعلها تترك مجال العلوم وتتجه إلى مطبات عالم السياسة، فإن العلم ربما لم يتركها يوماً، فالتفكير العلمي والتقصي المتأني لكل معلومة واستشارتها الحذرة للعلماء هي جميعاً جزء أساسي من مسارها في صنع القرارات.
ولعلها تدرك أن طريقة إدارتها المحسوبة والمتواضعة لشؤون ألمانيا قد أكسبتها، ولو جزئياً، تأييد بلد اتسم تاريخياً بإجلاله للعقول الهائلة والإنجاز العلمي المتوازي، مع الحذر الشديد من القادة أصحاب الكاريزما والأفكار العظيمة.
ولا تزال هزيمة الفيروس بعيدة المنال، ولا أحد يعلم مدى التحديات الرابضة في أفق ألمانيا أو بقية العالم، لكن بالاستناد إلى مقاربة ميركل للأمور والصرامة في جمع المعلومات ومصداقيتها في التعبير عما لا يزال في طور المجهول ورصانتها، قد لا تتذكرها ألمانيا على أنها عالمة، بل العالمة المسؤولة والقائدة السياسية التي انتصرت لمنطق التفكير القائم على الأدلة، واحتفت به وجسّدته في وقت الحاجة الماسَّة إليه.