بقلم – عايض بن محمد العصيمي:
يعيش العالم أجمع هذا الوباء والجائحة التي حلت في الكون بأكمله ، بما يسمى :
( فايروس كورونا ) ، فيجدر بنا في هذا الوقت ألاَّ نساعد في انتشاره ليس في العدوى فقط ! إذ كما أننا نطبق جميع احترازات العدوى الطبية ،علينا أيضاً ألاَّ نسعى في انتشاره من خلال : نشر الأخبار المغلوطة والإشاعات الهادمة التي تنخر في مجتمعنا ، وتفت صفنا ، دون تأنٍّ أو تثبت.
وفي الحديث قوله عليه الصلاة والسلام :
( كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع ) أخرجه أبوداود.
( بحسب المرء من الكذب أن يحدث بكل ما سمع ) رواه مسلم.
الإشاعات والأخبار المكذوبة : تزين وتزيف بزخرفة براقة تلفت لها السامع والمشاهد فيصدقها ويتيقن بها ، (.. وإن يقولوا تسمع لقولهم)، ونفوس البشر مجبولة على التطلع إلى معرفة المستقبل وغرائب ونوادر الأخبار والأحداث :
في زخرف القول تزيين لباطله
والحقُ قد يعتريه سوء تعبير !
والأحداث والمحن : سوق رائجة للأخبار المكذوبة ونشرها ، ونشر الإشاعات المرعبة ، التي من شأنها زعزعة الأمن والأمان للناس في مجتمعهم الواحد.
الإشاعة:(عبارة عن نبأ أو حدث مجرد من أية قيمة يقينية ، ينتقل من شخص لآخر، قادرعلى زعزعة الرأي العام أو تجميده)(لجان ميز ونوف ).
وحسبك أن تصغي إلى أحاديث الناس في مجالسهم ومنتدياتهم تسمع زخماً من الأخبار المتنقلة بينهم ، وعبر جوالاتهم ورسائلهم ، ولو سألت أحدهم عن صدق خبره الذي بثه للناس لوجدت أن آخر مبلغه من العلم أن يقول لك 🙁 مصادري الخاصة ) أو ( كما وصلني ) ويذيل بعض رسائله 🙁 انشر تؤجر ) ، ويتراشقها العوام بعواطفهم الجياشة ، يبتغون بها الأجر والثواب ، ولهم تحليلات للأخبار بعيدة عن الحق والصواب ، وليت الأمر اقتصر عليه واحتفظ برأيه لنفسه ( لا ) بل يحلل وينشر ويثبت من أجل أن ينتصر لرأيه.
والعاقل الفطن : لا يحتاج لمزيد من الوقت أو لكثير من الجهد حتى يعرف ببطلان تلك الرسائل والأخبار المنقولة.
(الأراء الكاذبة كالعملة المزيفة ، يسكها مجرمون عتاة ، ثم يتداولها أناس شرفاء ، وتستمر على أيديهم الجريمة ، دون أن يعلموا ماذا يفعلون) (جوزيف دي مستير).
والأحداث كذلك : سوق رائجة للدجالين ، والعرافين ، وقراء الأبراج ، الذين يتنبؤون بمعرفة ما وراء الغيب ، من سقوط دول ، وملوك ، وفقر ، ومرض ، وشر ، وخير ، دون علم ولا دراية ، وللأسف : هناك منَّا من يُرخي مسامعه لدجلهم وإفكهم !
والأحداث كذلك : سوق للساقطين أصحاب الهمم الرخيصة ، المهرجين بالنكت والطرائف ، وإن كانوا مشاهير ، محتواهم وعقولهم ساذجة لنشر سخفهم وسقطاتهم ، العاقل الحصيف لا ينشغل بهم ؛ بل ينشغل ببناء نفسه ومجتمعه للخير في مثل هذه الظروف العصيبة ، ومن رخصت وسقطت همته أصبح فارغاً كل وقته ، بطّالاًّ كسولاً مستهلكاً لطاقته ووقته بل ولحياته ، منشغلاً بالتفاهات وبالقيل والقال والتنقيب في أحوال الناس وزلاتهم ..حتى يسقط ويَلِجَ في مستنقع المهانة والسخافة والتفاهة فيكون من أهلها.
والأحداث كذلك : سوق رائجة لضعفاء النفوس الذين يسوقون لمنتجاتهم العشبية ، والدوائية ، يصنعون أدوية ، وعلاجات ، يبيعونها على الناس أنها تشفي وتعالج على زعمهم ويصدرونها برسائل الوهن والوهم بالجوال : تجارب ناجحة ( ارسل تؤجر ).
والأحداث كذلك : هي سوق رائجة مفتوحة للمعبرين الذين يفسرون منامات الناس ، ويروجون لشهرتهم وسمعتهم ، يستغلون كل مناسبة ، وحدث ، ومشهد ، تأملهم جيداً: بين الفينة والأخرى : يخرج أحدهم وقد جلس على أريكته ويشرب قهوته ، يقرر ويفند ويحدد لزوال المرض أو انتشاره وكأنَّ المصير المزعوم بيده ، وله أتباع ومؤيدون يخدمونه في نشر تعبيراته ودعمها للمزيد من الجماهير والشهرة المزعومة.
أقولها بكل صراحة: كفانا عبثاً .. لنحمي عقولنا وأجيالنا عن مثل هذا .. ولِتَمُتْ تلك الرسائل في مَهدها وأن لا نساهم في نشرها في مجتمعنا حتى لا يحصل الجهل والتفكك الذي يريده الأعداء ، فإن مثل هذه الرسائل تجد مرعى خصيباً ، وتسري سيراً وبائياً بين صفوف مجتمعنا أشد من فايروس كورونا ، فلا غرابة من كثرة الأعداء الذين مهدنا لهم الطريق بتمرير رسائلهم وأخبارهم.
الصمت عمل تطوعي إنساني عظيم ، فالعاقل لا يتكلم إلا بعلم وعدل ، ينطق بخيرٍ يؤجر به أو يسعه الصمت ، ينشغل في مثل هذا الوقت بنفسه والإقبال على مولاه ، وبناء نفسه بالعلم والقراءة والفائدة وخدمة دينه ووطنه المعطاء.
( اللسان سبع عقور ، إن ضبطه صاحبه سلم ، وإن خلَّى عنه عقره ، وبفمه يفتضح الكذوب ، فالعاقل لا يشتغل بالخوض فيما لا يعلم فيتهم فيما يعلم ..)
( أبو حاتم ابن حبان ).
مجتمعنا له أعداء من الداخل : يلمزونه ويتنقصون منه ، ومن قادته ، وأبنائه العاملين المخلصين ، يجب أن تتكاتف الجهود والأيادي في مجتمعنا ، وأن نكون لَبِنَةً ولُحْمَةً وَاحِدَةً ضد أعدائنا كل الأعداء.
علينا في مثل هذا الوباء وهذه الجائحة التي عمت أن نأخذ المعلومة والخبر من مصدرها مثل : ( منظمة الصحة العالمية ، ووكالة الأنباء السعودية )، هناك متحدث رسمي لوزارة الداخلية ، ومتحدث رسمي لوزارة الصحة ، لسنا بحاجة أن نستقطب الأخبار والأنباء من غيرهم ،إياك أن تكون إمعة تنشر ما ينشره الناس دون توثيق وتبين ،( بئس مطية الرجل زعموا ) رواه أبوداود.
علينا أن نظهر وأن نفتخر بجهود حكومتنا الرشيدة ، وما قدمته لنا من دور جبار عجزت أن تقدمه الدول العظمى لشعوبها ولله الحمد ، كما نفتخر بدور رجال قطاع الصحة ، ودور رجال الأمن العظيم ، وكل من قدم خيراً لمجتمعنا في هذه الأزمة التي تساقط فيها الْمُزَيَّفُوْنَ.
هذه المواقف تظهر لنا حقيقة رجال الوطن الأكفاء الحقيقيون الذين يسعون لبنائه وإصلاحه ومجده وسعادته.
وأننا إذ نشيد وبقوة بعمل : ( النيابة العامة ) بالأخذ على أيدي سفهاء المجتمع ، أهل التفاهات ، الذين يخرجون لنا في كل وقت ومكان ، بسخفهم وهرطقتهم ،حتى وصل بهم الحال إلى أن سقطت منهم القيم والمثل والأخلاق والتربية ، لذا فلا غرابة أن تشاهد من يشرب(الديتول)، ومن يخرج من المنزل وقت الحظر ، ومن يطرح ويخالف فتاوى كبار العلماء في النوازل ، ومن يعترض ويتحدى وبصرامة قرارات الحكومة ، ومن يخالف الذوق العام ، بأشياء لا تحكى ولا تعقل ، أفيجوز ويعقل هذا ؟! أين الوفاء للوطن !!
يجب محاسبة هؤلاء وردعهم حتى لا ينساق الصغار والمجتمع معهم .. إياك أن تكون مطية وفريسة سهلة لهم ، يستغلونك لترويج ما يريدون ،دون أدنى تفكير منك ولا وعي، ولا تأمل ونظر في العواقب فيما يذاع.
حفظنا الله وإياكم ووطننا من كل مكروه وشر،وصرف عنا الوباء والبلاء ومتعنا بالصحة والعطاء.