مقالات

بين “جليلة” مطر.. و”لؤلؤة” العرفج

بقلم – طارق عبد الحميد:

كيف يرى الكُتّاب والمبدعون أمهاتهم؟، وهل مشاعرهم تجاههن تختلف عن “الأُناس العاديين” بحكم قدرتهم على التعبير بشكل أعمق وأكثر حميمية؟ … سؤال مركب يقفز إلى الذهن حين نسمع عن وفاة أم هذا – أو ذاك – الكاتب أو المبدع ، لا سيما إذا كانوا من ضمن دائرة الأصدقاء.

وقد تأثرنا كثيراً مؤخراً حين أعلن الصديق العزيز د. أحمد العرفج .. الكاتب والإعلامي السعودي المرموق، وعضو مجلس أمناء مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني .. عن وفاة والدته العزيزة  ” لؤلؤة العجلان” يرحمها الله.

والراحلة كانت دائماً حاضرة في قلب وعقل العرفج، ليس فقط في كتاباته المتنوعة: العمود الثابت بجريدة “المدينة”، وفي تويتاته ومساهماته الثرية على “السوشيال ميديا” بمختلف أشكالها، وفي ظهوره التليفزيوني على شاشة “روتانا خليجية” عبر برنامجه الشهير “يا هلا بالعرفج”.. ولكن أيضاً في لقاءاته مع الأصدقاء والمحبين  بالمناسبات المتعددة كالندوات واللقاءات العادية.

ومن خلال محبة وتقدير العرفج لـ”كنزه الحقيقي” (لؤلؤه) ارتبطنا بها جميعاً ، واعتبرناها أمنا أيضاً ، فكانت مصيبة فقدها حدثاً جللاً أصابنا جميعاً كما أصاب ابنها البار، الذي طالما اعتبر أمه العظيمة هي كل شيء في هذه الحياة ، فهي التعزية في الحزن، والرجاء في اليأس، والقوة في الضعف إلى الدرجة التي تتجسد معها المقولة الشهيرة : ” لو كان العالم في كفه، وأمي في كفه، لاخترت أمي”.

ولأن الأم هي أعظم كتاب يمكن أن يقرأه الإنسان، فقد تذكرت بفقد “أم العرفج” العزيزة، أم أخرى لطالما كانت محط التأثير في وجدان وعقول محبي شاعر العربية الأكبر .. محمد عفيفي مطر (1935- 2010م ).. الذي أسعدني القدر بالاقتراب منه في سنوات عمره الأخيرة، وكانت أمه موطن التأثير الأهم في حياته، وهو ما انعكس على رؤيته – كإنسان وشاعر- لـ”كل أم” إذ كان  يرى أن الأم : هي النول الأول الذي ينسج عليه جميع الخيوط التي تضاف فيما بعد  إلى نسيج العمر، من صورة الأم الكونية “بنت وجب” إلى صورة أم الحياة والنضال إيزيس ومريم، إلى صورة الزوجة الباهرة المجاهدة في حصار شعب بني عبد المطلب في مكة،  إلى قديسة الثأر “مدام ديفارج” إلى التلميذة الخالدة “مدام كوري” إلى الثورية الممزقة “روزا لوكسمبورج”، إلى أجيال من أمهات الكدح والخير في براح الغيطان تتقدمهن أمه وبنت الشاطئ… إلخ.

وقد حملت سيرة مطر الذاتية أو كتابه “أوائل زيارات الدهشة – هوامش التكوين” لأمه إهداءً فريداً يحمل في طياته نظرة إجلال وتقدير مختلطةً برغبة في الاعتراف بالجميل ،إذ يقول : “إلى جليلة الجليلات: سيدة أحمد أبو عمار .. فيض البركة في الزمن الصعب، وبسالة الحنان الكريم في عصف الشظف، أمي”.

رحم الله : جليلة، ولؤلؤة، وأمهاتنا جميعاً.. ولنردد معاً ذلك البيت العبقري لـ”ابن الرومي”: ( لم يُخلق الدمع لامرئ عبثاً .. الله أدرى بلوعة الحزن).

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى