ثقافة

” غير حائيكا” قصة شعرية أخفشية.. محمد خضر الشريف

%d8%ae%d8%b6%d8%b1-%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af
محمد خضر الشريف
=========

من كتابي ” القصة الشعرية في تراث العربية”
( تحت الإعداد)

مدخل:

( أُشبِّه القصة الشعرية بالقصة الخبرية -عندنا أهل الصحافة- يحتاج صاحبها أن يرسم بريشته ملامحها في لغة سهلة وحبكة فنية في الطرح لتوصيل المعلومة الخبرية، مباشرة وبسرعة وبمهنية..
ولاتقل اللوحة الشعرية في ذلك عن اللوحة الخبرية وإن كانت الاولى سابقة تاريخا وقدما عن الثانية الا أن هناك عوامل مشتركة بينهما وأوجه شبه وثيقة الصلة ، لعل هذا الكتاب يوضحها بنماذجه العديدة من روائع القصص الشعرية قديما وحديثا)..

النموذج:
واليكم هذا النموذج الذي يقول فيه صاحبه هذه الأبيات التي لها مغزاها ومعناها في نفسه:

هون عليك فإني غير حائيكـا //
إنني غير ماضٍ في نواحيكا
والله لو كانت الدنيا بزينتـهـا //
وادٍ بكفك لم أحلل بواديكا
ولو ملكت رقاب الناس كلهم //
شرقاً وغرباً لما جئنا نهنيكا

هذه الأبيات قائلها الأخفش الأصغر( وهو غير الأخفش الأكبر والأخفش الأوسط) أما صاحبنا هذا فهو أبو الحسن علي بن سليمان بن الفضل المعروف بالأخفش الأصغر النحوي..المتوفي عام. 315 هـ / 927 م)
وسيأتي الكلام عن ثلاثتهم أخر الموضوع.

قصة الأبيات:

وكان الأخفش هذا( الأصغر) يواصل المقام عند أبي علي المعروف بابن مقلة ( كاتب الوزير علي بن عيسى) وابن مقلة يراعيه ويبره..
وذات يوم شكا إليه ما هو فيه من شدة الفاقة وزيادة الإضاقة، وسأله أن يكلم الوزير أبا الحسن علي بن عيسى في أمره، ويسأله إقرار رزق له في جملة من يرتزق من أمثاله، فخاطبه أبو علي في ذلك، وعرّفه اختلال حاله وتعذر القوت عليه في أكثر أيامه، وسأله أن يجري عليه رزقاً أسوة بأمثاله..
غير أن الوزير انتهره انتهاراً شديداً، وكان ذلك في مجلس حافل( أي حافل بالناس)، فشق ذلك على أبى علي( أي ابن مقلة) وقام من مجلسه، وصار إلى منزله لائماً نفسه على سؤاله..
ووقف الأخفش على الصورة، فاغتم لها، وانتهت به الحال إلى أكل “السلجم النيئ”، فقيل إنه قبض على فؤاده، فمات فجأة في التاريخ المذكور.

وكان أبو الحسن الأخفش كثيراً ما ينشد “وعليٌّ على الناس”- اي علي أبوالحسن الوزير و بحضرته الناس – وكأنه كان يعرض بأبي علي، ابن مقلة الوزير، بتلك الأبيات التي صدرت كلامي بها في تلك القصة الشعرية الغريبة والمثيرة للشجن أيضا.
((وروى هذا المشهد ثابت بن سنان- كما أثبته عنه ابن خلكان في وفيات الأعيان- وقد تدخلتُ =كاتب هذه الأسطر= في فك بعض كلماتها وتوضيح جملها؛ حتى لايحدث لبس فيها))

مات بالسلجم:
ولعل “السلجم” الذي أكله الأخفش نيئا هو نبات يشبه اللفت وقيل نبات فارسي يستخرج منه الزيت، وهو ينطق بالسين تارة وبالشين أي سلجما وشلجما..
وقد ورد اسمه في أرجوزة لأعرابي وقعت عيني عليها في “جمهرة الأمثاال” لأبي هلال العسكري، يقول البيت:
تسألني برامتين سلجما … إنك إن سألت شيئاً أمما
جاء به الكرى أو تجشما

وققة:
((وفي رأيي أن القصة الشعرية هنا هي تلك الأبيات التي ذكر فيها الأخفش أنه خاصمه وهجره وقطع مدحه وقاطع حضور مجلسه، وأنه لن يطلب منه شيئا ولو كانت الدنيا كلها واديا في كفه، ولن يهنئه بمنصب ولا مكانة ولو كانت الدنيا كلها في كفيه، بعد أن صدر بيته بقوله :”فإني غير حائيكا”.. و”حائيكا” هنا من الفعل “حاك”وله معان كثيرة كما قال أهل القواميس وأقتنص منها هنا “نظم الشعر”، لأنها الأليق بالمقام..
وهي ترجمة لعزيمة منه ألا يمدحه بشعر من “حياكته” -أي من نظمه -مهما تكن الامور ومهما يكن ماوصل إليه من مناصب ولو كانت الدنيا كلها في ملكه ؛ كما يتضح من أبياته السلسلة السهلة اللهم لفظة حائيكا التي قد تبدو غامضة على الفهم وقد جليتها آنفا)).

الأخافش كثر:
(( والأخافش أو الأخافيش-إن صح جمع اللفظ الثاني- كُثرٌ، أوصلهم بعض أهل العلم – ومنهم السيوطي- في كتابيه “بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة”، و ” المزهر” إلى احدى عشر أخفشا، غير أنه اشتهر منهم هؤلاء الثلاثة وهم:
الأكبر وهو أستاذ سيبويه، واسمه عبدالحميد بن عبدالمجيد..
والأوسط وهو تلميذ سيبويه، واسمه: سعيد بن مسعدة، وكان هذا يلقب “الأصغر”؛ ليميز بينه وبين الكبير، حتى ظهر الأخير فلقب الثاني بالأوسط، والثالث بالأصغر..
وزاد بعض المحدثين في أعداد الأخافش حتى أوصلهم إلى ستة عشر أخفشا.
كما فعل الدكتور عبد الأمير الورد في دراسته ” منهج الأخفش الأوسط في الدراسة النحوية “..
أما معنى الأخفش فهو الضعيف البصر مع صغر العين كما عرف ذلك الذهبي في كتابه” سير أعلام النبلاء” )).

%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ae%d9%81%d8%b4

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى