مقالات

قانون “جاستا” والسياسة العمياء

img_2680

 

عماد المهدي *

أقرَّ الكونجرس الأمريكيّ -مؤخًّرًا- قانونًا، والمعروف إعلاميًّا بقانون «جاستا»، ذلك القانون الذي يسمح للمواطنين الأمريكيين -للمرَّة الأولى- بمقاضاة الأفراد، والمنظَّمات، والدول التي تدعم بصورة جوهريَّة (بشكل مباشر، أو غير مباشر) الأعمال الإرهابيَّة، أمام المحاكم الأمريكيَّة، ويسمح لهم بالحصول على تعويضات ماليَّة. يمثِّل هذا القانون تطبيقًا غير صحيح للقاعدة المتعلِّقة بالعدالة العمياء الواجب توافرها عند تطبيق القاعدة القانونيَّة، حيث تمَّ استدعاؤها إلى مجال الممارسة السياسيَّة لتُصاب السياسة الأمريكيَّة بالتخبُّط والعشوائيَّة.
صحيح أن هذا القانون صدر من جانب السلطة التشريعيَّة، بعيدًا عن موافقة الإدارة الأمريكيَّة ممثَّلة في الرئيس الذي استخدم الفيتو اعتراضًا على إصداره، إلاَّ أنَّه من الصحيح أيضًا أنَّ هذا القانون يعكس رؤى سياسيَّة، وليست منطلقات، أو ضوابط قانونيَّة، وإنَّما يُعتبر خطوة خطيرة تهدم الفكرة الرئيسة التي قام عليها القانون الدولى، والمتمثلة في احترام حصانة وسيادة الدول والحكومات، وهو ما يتطلَّب أن يقوم خبراء القانون الدولى ومتخصصوه بمواجهة هذا القانون عبر كافَّة الحجج، واتِّخاذ كافة الإجراءات الواجبة لإلغائه؛ حفاظًا على الأمن والسلم الدوليين.
ولكن، يظل الحديث المتواتر عن تأثير هذا القانون على المملكة العربيَّة السعوديَّة حديثًا مبالغًا فيه، إذ إنَّ القانون لم يذكر السعودية تحديدًا بالاسم، وإن أعطت أول دعوى قضائيَّة رُفعت ضد المملكة أمام المحكمة الاتحاديَّة في نيويورك بعد صدور القانون بساعات، الانطباع لدى كثيرين بأنَّ المستهدف من هذا القانون هو المملكة، إلاَّ أنَّ حقيقة الأمر وجوهره مختلف عن ذلك كليَّة، بما يعنى أن المستهدف ليس فقط المملكة، وإنما هي بلطجة أمريكيَّة تستهدف ابتزاز أطراف عدَّة دوليًّا وإقليميًّا، محاولة في ذلك توظيف القانون لخدمة السياسة، وهو أمر خطير في إدارة السياسة الخارجيَّة لدولة عظمى مثل الولايات المتحدة، وخاصة إذا ما تمَّ تنفيذ هذه السياسة العمياء تجاه حلفائها وشركائها في بناء الأمن والاستقرار العالمي، إذ يذكر العالم أجمع الدور المهم الذي قامت به المملكة في نشر السلام والاستقرار سواء عبر مساعداتها الاقتصاديَّة ودعمها المستمر لمختلف بلدان العالم، أو عبر خطابها الإعلامي المتميّز القائم على نشر قيم الإسلام الصحيحة، أو عبر تحركاتها السياسيَّة ضد كافة التنظيمات الإرهابيَّة.
ومن هذا المنطلق، وسعيًا إلى الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، يجب أن يُدرك العالم أجمع أن السياسة الأمريكيَّة تجاه منطقة الشرق الأوسط خاصة في ظل أمرين مهمَّين، هما: الأول، دعمها المستمر للكيان الصهيوني، وغطرسته في الأراضي المحتلة، ورفضه المستمر لأية جهود لإقرار السلام. والثاني، تقاربها الأخير مع الطموح الصفوي عبر إبرامها للاتفاق النووي، هما المسؤولان عمَّا يجرى في المنطقة من حروب وصراعات تفسح المجال أمام مزيد من تأسيس جماعات الإرهاب وتنظيماته.
وعليه، نخلص إلى القول إنَّ قانون جاستا ليس موجهًا ضد المملكة العربيَّة السعوديَّة فحسب، وليست هي المخاطبة به بمفردها، وإنَّما العالم أجمع الذي يعارض السياسة الامريكيَّة هو المخاطب بهذا القانون..

نقلا عن “المدينة”

 

img_2679

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى