ثقافة

قصة قصيرة “مأساة صاحب القرن”!

خضر

محمد خضر الشريف *

تجاوز عمره القرن من الزمان وازداد فوقه سبعة عشر عاما..
عركته الحياة وحلبه الفقر وأصبح شاهد عصره على أحداثه..
قاوم واستبسل من أجل أن يربي بناته وينشئهم النشأة الصالحة.
منذ سبعة عقود مضت أو تزيد تأتي عليه اللحظة الحاسمة يوم وقوف الناس بعرفة فتأخذه رعدة الشوق وبكاء الحنين؛ ولا يملك إلا أن يجفف دموعه بكفيه، بعد أن عز وجود المنديل بين يدبه..
ابنته الكبرى كانت ترقب الموقف السنوي لأبيها منذ طفولتها .. تبكي لبكائه وتكتم أهاتها بين جوانحها داعية رب العباد أن يوفقها لبره بتحقيق أمنيته وتراه واقفا بعرفات..
جمعت دراهمها القلبلة وحرمت نفسها مما تتهافت عليه نفوس أترابها ، زادت الدراهم بزياة أملها في تحقيق أمنية أبيها..
مع السنوات الممتدة بلغت دراهمها قيمة ثمانية عشر ريالا.
قدمت له ثمن مصاريف الحج وأعطته البقية لمصاريف رحلته المباركة.
لم يكد يصلب طوله أو يمسك دموعه التي ذرفها هذه المرة فرحا.. بعد أن كان يذرفها كل عام شوقا لببت الله الحرام. احتضن ابنته وقبل جبينها، ولغة الكلام تعثرت عن شكرها والدعاء لها بدعوات حانية جميلة بكل مشاعره ..
عبأ حقيبته وجمع حاجاتهولاول مرة يشعر أنه شاب في الثلاثين من عمره، ولم يصدق نفسه وهو يرى ملابس الاحرام تلف جسده ازارا ورداء !
استولى على خاطره سؤال: كيف استطاعت ابنته أن تجمع هذا المبلغ الضخم؟ وفي كم سنة؟ ومن أي الأشياء وأحبها حرمت نفسها من أجل أن تسعده؟
اغرورقت عيناه دموعا، وسيل من الأسئلة يخامره، ومشاعر اختلطت فرحا بالرحلة المقدسة وشوقا لها، بعدد السنين الطوال العجاف وخوفا من تبعاتها وهو شيخ كبير وهن عظمه واشتعل الرأس منه شيبا !
استعد للرحيل وحانت ساعة السفر التي هي ساعة الصغر في حياته..طرق باب غرفة ابنته ليودعها .. لم تجبه..كرر الطرق مرة ومرات، لا رد..
دفع الياب ناداها من بعد يابنيتي ..لارد.. وهي التي تسمعه من أول مرة..
اقترب من فراشها هزها بهدوء، ثم ببقية من قوة ساعديه.. سقط مغشيا عليه حين علم أنها فارقت الحياة!!
————————-
*من مجموعتي القصصية الثانية “قدر ولطف”

image

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى