مقالات

دائرة الغش أوسع من الثانوية..!!

بقلم : مدبولي عتمان
[email protected]

عندما كانت ابنتي تختبر الثانوية العامة عام 2000 لاحظت أن زميلة لها تخرج من اللجنة بعد بدء الامتحانات بحوالى 2010502258_10152559652133809_6619109144586295442_n دقيقة وتستمر بالخارج حتى قبيل انتهاء وقت الامتحان بـ 15 دقيقة فتعود لتقوم بمراجعة ورقة اجابتها ثم تسلمها . تبين فيما بعد ان والدها يعمل مدرسا في نفس المدرسة التي يجرى بها الامتحانات ، وانه بالاتفاق مع لجنة المراقبة تجلس في غرفة بمفردها ويقدم لها كل وسائل الغش ( كتب ومدرسين ) في كل مادة حتى حصلت على الدرجات شبه النهائية ودخلت كلية الطب وتخرجت بعد تعثر ولكنها الان تعمل طبيبة في مستشفى حكومية كبرى . ويعلم الله كم عدد المرضى الذين تضرروا من تشخيصاتها الخاطئة .
وعليكم ان تنظروا إلى عدد الاخطاء التي يرتكبها الاطباء سنويا لتعلموا عدد الذين تسللوا الى كليات الطب عبر مكتب التنسيق بدرجات مزورة جمعوها بالغش . حيث رصدت الاحصائيات ما يزيد عن 180 ألف حالة وفاة لمرضى بسبب الاخطاء الطبية. ويعترف الدكتور خالد سمير رئيس لجنة التحقيق وآداب المهنة بنقابة الأطباء بأن الأخطاء الطبية أمر وارد إلا أن النسب في مصر تتعدي الحدود العالمية.
ودققوا في اعداد المباني التي تنهار اثناء وبعد البناء ، وفي عدد مخالفات البناء لتعرفوا عدد المهندسين الي دخلوا خلسة لكليات الهندسة بالغش في الثانوية العامة . فعدد العقارات المخالفة على مستوى مصر طبقا لإحصائيات رسمية وصلت إلى 2 مليون و184 ألف عقار منذ يناير عام 2011، مع التأكيد بان هذه المخالفات ليست مسئولية الادارات الهندسية وحدها.
ورغم خطورة الغش في الامتحانات وخاصة في الثانوية العامة على حاضر ومستقبل المجتمع ، الا انه يظل جزء محدودا من اخطبوط الغش المتغلغل في حياة الغالبية العظمى من المصريين ولا ينجو منه الا القلة القليلة. ويدخل في دائرة الغش اللعينة الأب الذي يهمل في تربية ابنائه ، والام التي تخل بواجباتها الأسرية ، والموظف الذي يهدر وقت العمل ويعرقل مصالح المواطنين ، والعامل والموظف الذي يوقع في دفتر الحضور ثم ينصرف ليقوم بأعمال خاصة ويظهر فقط وقت توقيع الانصراف وكثيرا ما يشاركه في الغش زميل آخر ويوقع بدلا عنه . والمعلم الذي لا يشرح الدروس في المدرسة ويدخر جهده للحصص الخصوصية. ومن الغشاشين ايضا الفلاح الذي يهمل في زراعة أرضة ويسهر طويلا أمام التليفزيون ويذهب الى حقله متأخرا وكسولا . والحرفيون والمهنيون الذين يبالغون في اجورهم مقابل أعمال بسيطة ويستغفلون الناس ، وايضا عمال الزبالة الذين يركزون على التسول ولا يؤدون عملهم.
ومن الغش الكبير الوساطة والمحسوبية والرشوة في شغل الوظائف دون مراعاة للكفاءة المهنية وتجاهل تام لمبدأ المساواة فى تكافؤ الفرص والعدالة دون تمييز بين مواطنى الدولة المصرية المنصوص عليها في ( المادتين 6، 33) من الدستور. ويظهر ذلك واضحا في عمليات التوظيف التي تتم في الخفاء اوعبر اعلانات وهمية في المؤسسات والهيئات الحكومية الكبرى والبنوك وشركات الكهرباء والاتصالات والمواصلات . ويتجلى هذا النوع من الغش بشكل اكبر في اصرار بعض القيادات في ما يسمى الوزارات السيادية ( الخارجية والدفاع والداخلية ) والهيئات القضائية وهيئات التدريس بالجامعات على توظيف ابنائهم بنين وبنات وأقاربهم من الدرجة الاولى حتى ولو كانوا اقل كفاءة . وهناك امثلة صارخة تتمثل في حجز بعض الوظائف لعدة سنوات ، أو تعهد بعض الابناء منذ سنوات الدراسة الاولى بالجامعة وبناء علاقات مع الاساتذة لمنحهم تقديرات أعلى من مستواهم الدراسي حتى يصلوا الى الوظيفة المحجوزة.
أما الغش الاكبر فيتمثل في تزوير ارادة المواطنين عبر التلاعب في صناديق الانتخابات .وهذا النوع من الغش وما سبقه يصل الى جريمة الخيانة العظمى لأنه يمس الأمن القومي لمصر ، خاصة اذا علمنا أن هناك دول كبرى ( مثل الاتحاد السوفيتي) انهارت بسبب “إسناد الأمر لغير أهله” .

نقلا عن جريدة الجمهورية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى